ينتميان إلي جذور واحدة ولكنهما ولا شك يختلفان في العديد من الملامح فهما ينحدران من رحم واحد هو السرد، ولكن لكل منهما شخصيته المتفردة وملامحه المتميزة، فالقصة القصيرة تجنح إلي التكثيف وإيثار الإيجاز والتقاط اللحظات الهاربة والومضات المتفلتة. أما فن الرواية فيميل إلي استشراف آفاق المساحات الممتدة الرحبة وتتبع الخيوط المتشابكة المعقدة وغالبا ما تفضل القصة القصيرة الاقتصاد في الوجوه والشخصيات وتبدو معظم الوجوه المؤثرة فيها غائمة الملامح وسماتها غير مستقصاة تتجه الرواية إلي الكثرة في الشخصيات والوجوه وتصنع ألفة مع الأبطال مدققة في رسم ملامحهم وتبيان قسماتهم وسماتهم الشكلية والنفسية ومعظم أدبائنا الكبار طرقوا بابي الفنين معا، فعل ذلك نجيب محفوظ، ويحيي حقي ويوسف إدريس ثم نجوم الأجيال التالية الذين ظل بعضهم وفيا لفن واحد وبعضهم الآخر تردد بين الفنيين عدد من مبدعينا المتميزين حكوا لنا عن تجربتهم في التنقل بين الرواية والقصة القصيرة. في البداية يقول الأديب الكبير إبراهيم عبدالمجيد: بدأت بكتابة الرواية والقصة القصيرة في نفس الوقت ولقد كتبت الرواية وعمري 16 عاما لكن بدأت أنشر القصة القصيرة قبل الرواية لأن المزاج العام وقتها في أول السبعينيات كان يميل إلي نشر القصة القصيرة ثم نشرت الرواية بعد ذلك ويضيف : بالنسبة إلي استمتع بكتابة الرواية والقصة القصيرة معا فالقصة لها متعتها في ان الكاتب يختصر العالم كله في صفحات قليلة، وتصبح أقرب إلي جوهر الروح، أما الرواية فمتعتها أكبر لانها أشبه بالمعمار الكبير لكن للأسف منذ مدة طويلة وأنا متوقف عن كتابة القصة القصيرة لذلك أنا حزين جداً، لأن هناك روايات تضغط علي وتدفعني إلي كتابتها وعن صعوبة القصة القصيرة أو الرواية يقول: الصعوبة تأتي إذا حاولت كتابة شئ غصبا عني وان لا أفعل ذلك ولأ اكتب إلا إذا ألحت علي الكتابة، وبالتالي أجد متعة في كتابة الجنسين والمعاناة الروحية تكون في كتابة الجنسين، لكن الشكل الأدبي في الرواية يأخذ جزءاً كبيرا، أما عن مقولة أن المستقبل للرواية فيقول : هذا صحيح ولكن ليس بشكل نهائي لان المزاج يتغير من وقت لآخر فلا أحد يستطيع أن يضع قوانين حاسمة في هذه الحالة . النصوص السردية أما الأديب الكبير محمد المخزنجي فيقول : ليس هناك فن أعلي من آخر، المهم ان كل فن يكتب بإجادة، المسألة كيف يكتبها ولكن النصوص السردية موجودة وتقرأ برغم اننا مازلنا نقرأ قصص همنجواي القصيرة وتشيكوف بنفس الشغف والاستمتاع والقيمة الكبري أما عن تجربته الخاصة فيقول: في الحقيقة في هذه الفترة انتقلت لما يسمي بالنص المفتوح يعني مثلا كتابي «لحظات غرق جزيرة الحوت» وهو عن كارثة «تشيرنوبيل» ما فيه بين المشاهد القصصية والموزايك في لوحة تتخللها فصول في شكل الريبورتاج الصحفي وهذا يبين لنا سبب فوز الكاتبة التي حصلت علي جائزة نوبل لأن إبداعها يأخذ هذ الشكل وهو ما يسمي بالنص المفتوح، وهو خارج القوالب النقدية، والكاتب عليه ان يكتب ما يحب وفي الشكل الذي يجد نفسه فيه والاطار المناسب لشكل الكتابة، ولذلك فإن مسألة النص المفتوح بدأت تروج، وأتوقع أن القادم سيكون هذا النص الذي يمزج بين الصحافة العالية وما بين السرد الأدبي بمعني التحقيق الذي يشمل فنون الصحافة المختلفة بما فيها من خبر كيف يصاغ وبما فيها المقال «المموه» . ويضيف: بدأت بنصوص موجزة جدا في السنوات الأخيرة أكتب أعمالا تتجاوز «12 ألف كلمة» وأنا لا أحب أن اطلق عليها أسماء لأن فيها ما يسمي بالنص المفتوح كما سبق أن أوضحت. القصة.. ملعبي الخاص تقول الأديبة سعاد سليمان: بينما يتجه العالم للغرق في بجور وغواية الرواية كجنس أدبي حاز شهرة واسعة جدا مقابل القصة القصيرة التي تكون دائما أبدا باب الدخول لأي كاتب مبتدئ في عالم الأدب وكأن القصة دائما تمنح نفسها للكتاب كي يجربوا مهاراتهم وعندما يملكون أدواتهم يهجرونها إلي الرواية التي تحقق الشهرة أكثر وربما الجوائز وأيضا يتسم كاتبها بالقدرة الفذة ورغم ان القصة القصيرة من وجهة نظري أكثر صعوبة من الرواية، وأدلل علي ذلك بما قالته الكاتبة اللاتينية «إيزابيل الليندي» عندما سألوها لماذا اكتفت من كتابة القصة بمجموعة قصصية واحدة وهي «حكايات الايفالونا» أجابت ان كتابة القصة صعبة ومرهقة وتحتاج إلي الموهبة الفذة والقدرات الخاصة وهي لديها الاستعداد لتسطير مئات الصفحات الروائية أسهل كثيرا من كتابة قصة قصيرة واحدة إلا ان الرواية كفن «يغوي» بالنسبة إلي الكثيرين من الكتاب وقد مارست النوعية الأدبية من رواية وقصة قصيرة جدا أستطيع القول اني استمتع بكتابة القصة وأعتقد انها ملعبي الخاص جدا بعيدا عن الانحياز للرواية او القصة اعتقد أن الفكرة هي التي تختار النوع الأدبي الذي تظهر فيه وكم تمنيت أن أكتب روايتي «غير المباح» كقصة ولكن هذا من الجنون المستحيل، فالشخصيات فرضت نفسها والحوار والأحداث وكل التفاصيل التي أعشقها لم يكن متاحا لها سوي الرواية وأنا أرفض مقولة «زمن الرواية»، ربما تكون القصة قادمة بشكل أقوي في السنوات القادمة خاصة في ظل إقامة جوائز دولية مهمة تعيد للقصة قيمتها الحقيقية وأعتقد ان الرواية احتلت هذه المكانة نظرا لأنها فن ونوع أدبي عريق بدأ في أوروبا تقريبا منذ عصر النهضة وجاء إلينا مبكرا جدا وبالتالي كونت تاريخا عزز مكانتها. أحب الرواية أكثر وفي الختام يقول الأديب الكبير جار النبي الحلو: بدأت بكتابه القصة القصيرة فلدي حوالي 8 مجموعات قصصية بإلاضافة إلي 4 روايات ورأيي أن الكاتب الحقيقي يتلقي الفكرة ثم يصيغ إبداعه في الشكل الملائم لها وهناك تقنيات خاصة بكل عمل فني علي حدة، القصة القصيرة هذه العبقرية هذه الإمكانية التي علي الكاتب ان يمتلكها من لغة وموهبة، وقد قرأنا علي مدار حياتنا أعظم القصص القصيرة وأعظم الانتاج الأدبي من تشيكوف ويوسف إدريس وهمنجواي ويحيي الطاهر عبدالله والمخزنجي كل هذا يوضح ان القصة القصيرة ليست عملا إبتدائيا أو تمهيديا لكتابة الرواية ويضيف: أنا متفق أن الرواية معبرة عن روح العصر ويكتبها الآن عدد من الكتاب المتألقين والذين جعلوا الرواية في صدر المشهد، وفي الحقيقة عندما أجلس للكتابة فأنا أكون مستعدا لكتابة رواية أو قصة وعلي علم بما سأكتب، الرواية .. فكرة، تحقيق، شخصيات، زمن، مكان علي الأقل خطوط عريضة أما القصة فهي هذه الدفعة الشعورية قد تكون لمحة أو فكرة خاطفة أو مجرد تعبير لكن هذا الاحتشاد لكتابة القصة ليس أقل بأي حال من كتابة الرواية وعن تفضيله كتابة القصة القصيرة أو الرواية يقول: أنا أحب القصة القصيرة واستمتع بالرواية لان الاثنين حالة من التعبير وليس هناك افتعال في طريقة كتابة كل منها.