منذ سنوات لم يلق اختيار شخصية لأحد المواقع أو لأداء مهمة خطيرة مثل هذا القبول والارتياح والترحيب الذي لقيه قرار اختيار المستشار طارق البشري لرئاسة لجنة التعديلات الدستورية. ولم يكن ذلك إلا رد الفعل الطبيعي لما يتمتع به هذا الفقيه القانوني الذي نعتز به جميعاً من علم، ومن نزاهة واستقامة، ومن وطنية صادقة، ومن شجاعة في الموقف، ومن إلمام دقيق بتاريخ هذا الوطن وانفتاح واعٍ علي حاضره ومستقبله. وأعرف أن مهمة المستشار طارق البشري وزملائه في لجنة تعديل الدستور محددة، وأن الوقت ضيق، ومع ذلك أسمح لنفسي هنا بأن أطرح عليهم هذه القضية، الذي كان المستشار البشري نفسه أحد شهودها عن قرب والمشاركين فيها حيث إنها تتعلق بحرية الرأي الذي وهب حياته للدفاع عنه، ولم يتأخر يوماً بالنصح والتأييد لنضال الصحفيين من أجل حرية الصحافة، كما تفضل مشكوراً يوماً برئاسة اللجنة التي شكلناها في نقابة الصحفيين بشأن ميثاق الشرف الصحفي في عز إحدي الهجمات التي لم تتوقف من جانب حزب الفساد وأعداء الحريات. وباختصار.. فإن المستشار البشري يعرف جيداً حجم القيود التي كبلوا بها الصحافة من خلال قوانين كان ترزية القانون يتفننون من خلالها في محاصرة أصحاب الرأي وتشديد العقوبات في جرائم النشر خاصة تلك التي تتم بواسطة الصحافة. كما يعرف جيداً هذا النضال الطويل الذي خاضه الصحفيون وكل أصحاب الرأي في مصر ضد من أرادوا تكميم الأفواه لحماية الفساد والاستبداد. وقد كانت إحدي حلقات هذا النضال تتركز لسنوات طويلة حول »إلغاء الحبس في قضايا النشر« حتي نجحنا قبل سبع سنوات في الحصول علي »الوعد الرئاسي« بهذا الصدد من الرئيس السابق محمد حسني مبارك. ويعلم المستشار البشري كيف قاوم حزب الفساد وأعداء الديمقراطية من أجل منع تعديل القوانين لتطبيق هذا الوعد الرئاسي، وكيف استمر نضال الصحفيين وكل أصحاب الرأي في معركة طويلة استمرت عامين ونصف العام حتي استطعنا تحقيق خطوة علي الطريق بالتعديلات التي تمت في منتصف عام 7002 والتي شملت إلغاء الحبس في قضايا السب والقذف ومنع تعطيل الصحف وغير ذلك من التعديلات المهمة، ومع تعهد لم يتحقق حتي الآن للأسف الشديد باستكمال الخطوات لإلغاء الحبس في كل جرائم النشر المتناثرة في أكثر من قانون، والتي تم استخدامها بعد ذلك بالتحايل علي القانون والتواطؤ مع السلطة للتنكيل بالصحفيين والتضييق علي حرية الرأي. ومع ذلك لم يتوقف الصحفيون عن فضح الفساد ومحاربة الاستبداد والمطالبة بالعدل والحرية. ولأننا أمام لحظة تاريخية نبني فيها نظاماً جديداً يجسد آمال الشعب ومطالب الثورة، ولأن كل الأطراف تتفق علي أن تحرير الصحافة والإعلام من كل القيود هي أحد الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها النظام الجديد، فإنني أضع أمام المستشار البشري والأعضاء المحترمين في لجنة تعديل الدستور اقتراحاً بتعديل بسيط لإحدي مواد الدستور المتعلقة بحرية الرأي أو حرية الصحافة »المادة 74 أو المادة 84« لإغلاق الطريق علي حزب الفساد وأعداء الحرية وإنهاء الجدل حول قضية حبس الصحفيين وأصحاب الرأي، وذلك بإضافة جملة واحدة إلي إحدي المادتين السابقتين من الدستور تنص علي أنه »لا يجوز بأي حال اللجوء للعقوبات السالبة للحرية في التعامل مع قضايا النشر« أو بأي صيغة أفضل يراها المستشار البشري والسادة أعضاء اللجنة المكلفة بالتعديلات الدستورية. إن مثل هذه الخطوة سوف تغلق نهائياً أبواب السجون التي مازالت مستعدة لاستقبال الصحفيين وأصحاب الرأي عندما يؤدون واجبهم في فضح الفساد ومقاومة أي اعتداء علي الحريات. كما أن هذه الخطوة سوف ترفع عن مصر العظيمة هذا »العار القانوني« الذي يبقي مصر واحدة من بضع دول متخلفة مازالت تواجه الرأي بالسجن. إن علينا أن نتذكر أن كل قضايا الفساد التي بدأت المحاسبة عليها الآن، كانت صحافة مصر قد كشفت عنها بشجاعة، في وقت كان التهديد بالسجن سيفاً مرفوعاً في وجه كل من يتصدي للفساد ويكشف حقيقته أو يدعو للإصلاح والديمقراطية الحقيقية. وإذا كانت قيادة القوات المسلحة قد أعربت عن »صدمتها« من حجم الفساد في المرحلة السابقة، وإذا كان الشعب يقف مذهولاً أمام هذا الفجور الذي وصل إليه حزب الفساد المحتمي بالسلطة وهو يمارس جرائمه في نهب المال العام وسرقة ثروات مصر.. فإن واجبنا اليوم ليس فقط أن نحاسب علي ما وقع وأن نسترد ما تم نهبه، ولكن أيضاً أن نمنع ذلك في المستقبل، وأن نتسلح بكل الوسائل لتحصين المجتمع ضد الفساد والاستبداد وفي مقدمتها الصحافة الحرة والإعلام المستقل، وأن نجرد حزب الفساد والاستبداد الذي مازال يقاوم التغيير ويحلم بالانقضاض علي الثورة.