قيمة الموقف وأهميته يكمن في التوقيت أو اللحظة المناسبة يستحق البيت الأبيض منا الشكر والتقدير لسرعة الرد علي تصريحات «دونالد ترامب» المرشح الجمهوري المحتمل، الذي أطلق تصريحاً انتخابياً منادياً فيه بمنع المسلمين تماماً من دخول الولاياتالمتحدة، كان يمكن للبيت الأبيض أن يتذرع بأنه يجب أن يكون محايداً في العملية الإنتخابية ولا يتدخل، حتي بالتصريح حول أي مرشح «محتمل»، وكان يمكن للبيت الأبيض أن يتخوف من التعليق علي تصريح «ترامب» بالإتهام بدواعي المنافسة الإنتخابية باعتبار أن الإدارة الحالية ديمقراطية وترامب «جمهوري»، لكن تصريح «ترامب» كان يمس قيمة من قيم الولاياتالمتحدة، والواضح أنها باتت من قيم الإنسانية، لم يعد للأفكار العنصرية الفجة والبغيضة مكان في هذا العالم، يمكن أن يردد تلك الأفكار إنسان مغمور أو جماعة إرهابية عنصرية، إما أن يتبناها مرشح للرئاسة الأمريكية، فهذا هو الخطر، لذا كان رد البيت الأبيض سريعاً وصريحاً. لم يقتصر الرد علي البيت الأبيض والإدارة الأمريكية فقط، بل أن بعض من عُمَد المدن الأمريكية أعلنوا أنهم هم سوف يمنعون ترامب من الدخول إلي مدنهم بسبب ما قال، وتجاوزت الردود الولاياتالمتحدة إلي أوروبا، حيث وقع حوالي 150 ألف مواطن بريطاني علي بيان طالبوا فيه بمنع ترامب من دخول بريطانيا، وزير المالية البريطاني أعلن أن حكومته لن تمنع ترامب من دخول البلاد، لكن الاستياء الشعبي من تصريحه وصل إلي الجميع، ومن ثم فلن يكون قادراً علي إطلاقها من لندن، وأطلقت بعض الصحف الغربية علي ترامب اسم «هتلر الجديد». قيمة الموقف وأهميته يكمن في التوقيت أو اللحظة المناسبة ومن يتخذه، وقد اتخذ البيت الأبيض موقفه في الوقت الحاسم، وكان الرد سريعاً وقوياً، علي شأن يبدو في الظاهر أنه يخصنا نحن كمسلمين، ولكنه في المقام الأول يمس صورة الولاياتالمتحدة ونموذجها الاجتماعي والانساني؛ والواقع أن موقف الآراء الأمريكية وكذلك القيادات الأوروبية في أمور الإرهاب كان واضحاً، فقد أكد الرئيس الأمريكي أكثر من مرة وكذلك الرئيس الفرنسي أولاند، أن الحرب مع الإرهابيين وليست الإسلام، وأن هؤلاء الإرهابيون ليسوا من الإسلام، هذه الدرجة من التفهم تحتاج منا التقدير والثناء. وهذا ينقلنا إلي الداخل، لا أقصد الداخلي المصري فقط، بل الداخل العربي كله، عندنا تصدر تصريحات مشابهة أو قريبة من تصريحات ترامب في حق الآخرين، صحيح أنها تصدر عن أفراد موتورين، وليس من بينهم مرشح محتمل لرئاسة أي بلد، لكنهم بالتأكيد يسعون إلي الحكم، حكم المنطقة بالكامل، ومع ذلك فإن ردود أفعالنا لا تكون سريعة وليس حاسمة، يتوقف الأمر في الأغلب علي بيان أو تصريح من مشيخة الأزهر أو دار الإفتاء، ولا يكون بنفس السرعة، حتي الآن لم نسمع رداً شافياً وافياً من المجامع الفقهية العربية والإسلامية علي مسألة اعتبار بلاد الغرب «ديار كفر وعناد» كما ذكر الطهطاوي في تخليص الإبريز، ولم نقرأ رداً علي الزعم بأن بلاد الغرب هي بلاد الإنحلال والتفسخ الاجتماعي والإنساني و.... صحيح أن هذه الاتهامات كانت دائماً عديمة القيمة والجدوي، لأن من يطلقونها يبذلون الغالي لدخول بلاد الغرب والتمتع بما لديها من ميزات سياسية واجتماعية وإنسانية وعلمية، وصحيح كذلك أن بعض هؤلاء الذين يرددون تلك الدعاوي قبلوا أن يكونوا عملاء لبعض أجهزة المخابرات الغربية ضد مصالح دولهم وبلادهم، لكن خطابهم يحدث ضجيجاً وتلوثاً ثقافياً وفكرياً في بلادنا، يمس حياتنا وثقافتنا. إسلامياً نحن مطالبون بالانفتاح علي الآخرين، مصداقاً لقول رسولنا الكريم «من تعلم لغة قوم أمن شرهم»، والقرأن الكريم تحدث عن أن الله خلقنا شعوباً وقبائل «لتعارفوا»، أي نتعارف علي بعض ويكون لدي كل منا «معرفة» واسعة بالآخر، والمعرفة باب التقارب والتفهم. وطنياً وسياسياً، كانت مصر دائماً ومازالت منفتحة علي الآخرين، تستقبلهم بمحبة حقيقية وتسامح كبير، وتذهب إليهم كذلك، ومن ثم فإن تلك الأقوال البغيضة التي يرددها هؤلاء بيننا تسيء إلينا وتثير سخرية الآخرين منا وتندرهم بنا.