تاجر أدوية «إكس باير».. إذا كنت من متصفحي موقع التواصل الاجتماعي» فيس بوك»، سوف تفاجأ بصفحة تحمل هذا العنوان، وصفحات أخري تحمل عناوين شبيهة، هدفها تسويق الأدوية التي انتهت صلاحيتها بالفعل، بحيث يتم التنسيق بين الصيدليات لإعادتها للشركات الموردة. هذا الهدف المشروع، الذي يقره ولا ينكره د.علي عوف رئيس غرفة تجارة الأدوية بالغرفة التجارية بالقاهرة، تشوهه أهداف أخري يستخدمها بعض معدومي الضمير للتجارة في الأدوية منتهية الصلاحية، لتصل إلي مصانع تقوم بإعادة تعبئتها في عبوات تحمل تاريخا حديثا.. وأمام هذه المشكلة الخطيرة، تقف آليات الرقابة التي تنتهجها وزارة الصحة عاجزة، كما يري د.محمد عز العرب المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء، بسبب قلة الكوادر البشرية.. ويبقي الأمل معلقًا علي إجراءات متطورة تأخذها الوزارة، وتعتمد بشكل أساسي في تنفيذها علي وعي المواطن، وهي الإجراءات التي قالت د.سماح رجب مدير عام تسجيل الأدوية بوزارة الصحة، أن الوزارة بدأت تتحدث مع شركات الأدوية بشأنها.. وإلي أن تتخذ الوزارة هذه الإجراءات، لا بديل عن قبول شركات الأدوية استعادة أدويتها منتهية الصلاحية من الصيدليات، والتزام المستهلك ببعض النصائح التي يضعها الخبراء التي تساعد إلي حد ما، علي مقاومة الغش في سوق الأدوية. د.علي عوف: التطبيق الدائم لسياسة غسل السوق يحل المشكلة مدير عام التسجيل بالصحة: تطبيق خطة تعقب الدواء لكشف المغشوش د.عز العرب: قلة عدد صيادلة إدارة التفتيش وراء ضعف الرقابة في البحث عن حلول لأي مشكلة، يقول المنهج العلمي، إن عليك أولا أن تقوم بتحديدها، وساعدنا في ذلك محمود فوزي المدير التنفيذي للمركز، والذي قال إن شركات الأدوية ترفض استرجاع الدواء الذي قاربت صلاحيته علي الانتهاء ولم يتم بيعه، الأمر الذي يؤدي إلي خلق سوق خلفي للتعامل معها. وفي سعيهم لإجبار الشركات علي استرجاع الأدوية منتهية الصلاحية، أطلق عدد من الصيادلة في أغسطس الماضي حملة سموها «يوم الكيس الأسود»، وذلك اعتراضا علي رفض الشركات المنتجة أو الموزعة أو المستوردة قبول استرجاع الأدوية منتهية الصلاحية من كل الصيدليات لزيادة أرباحها، وذلك من خلال تجميع كل الأدوية المنتهية الصلاحية في أكياس سوداء لوضعها أمام الإدارة المركزية للشئون الصيدلية.. ولكن في مقابل هذا الطريق النضالي، الذي انتهي - مؤخرا - بعقد اتفاق « غسل السوق « مع الشركات لجمع الأدوية منتهية الصلاحية من السوق، تحدث فوزي عن ثلاثة طرق للتعامل مع هذه الأدوية، أخطرها وصوله إلي مصانع إعادة التدوير غير المرخصة. سعر منخفض الطريق الأول الذي يتحدث عنه فوزي هو بيع الدواء الذي قاربت صلاحيته علي الانتهاء للصيدليات الكبيرة التي تتمتع باقبال كبير. ويقول فوزي: « هذه الصيدليات تشتريه من الصيدليات الصغيرة بسعر مخفض، وقد تتمكن من التصرف فيه قبل انتهاء مدة الصلاحية، وان لم تتمكن ستنجح في اعادته للشركات المنتجة له، لأن هذه الشركات يهمها ان تكون علاقتها طيبة مع تلك الصيدليات الكبيرة، فتقبل منها المرتجع من الأدوية، وبالتالي فإنها ستحقق ربحا في كل الأحوال». أما الطريق الثاني الذي تحدث عنه المدير التنفيذي للمركز، فهو بيع هذه الأدوية إلي الصيدليات التي توجد بالمناطق الريفية، ويستفيد صاحب الصيدلية في المناطق الريفية من ذلك بحصوله علي تلك الأدوية بأسعار زهيدة، لن يخسر معها، ان لم يتمكن من تصريفها قبل انتهاء مدة الصلاحية.. ويوضح فوزي أن أصحاب الضمائر الخربة منهم لا يهتمون بوصول الدواء إلي موعد انتهاء صلاحيته، ويقومون ببيعه في هذه الحالة في شكل شريط وليس عبوة كاملة، حيث يكون موعد انتهاء الصلاحية المدون علي الشريط صغيرا للغاية بشكل لا يلفت الانتباه، بخلاف الموعد المدون علي العبوة الخارجية.. وتبدو الخطورة في الطريق الأول منعدمة، وفي الطريق الثاني محدودة، لارتباطها بشرط، وهو ألا تتمكن الصيدليات من التصرف في الدواء قبل وصوله لموعد انتهاء الصلاحية، لكن الخطورة في الطريق الثالث وهي بيعه لمصانع إعادة التدوير. الطريق الأخطر يقول محمد عز العرب المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء متحدثا عن الطريق الثالث: « للأسف قد يكون بيع الدواء الذي قاربت صلاحيته علي الانتهاء لمصانع غير مرخصة أكثر ربحية لبعض أصحاب الصيدليات منعدمي الضمير، فيلجأ بعضهم لذلك «.. ويضيف عز العرب: « هؤلاء يحاولون تبرير الأمر لأنفسهم بالاستناد إلي معلومة تقول إن الدواء بعد وصوله لموعد انتهاء الصلاحية، تكون هناك فترة قد تصل إلي شهرين حتي يصبح غير صالح للاستخدام، وهذه معلومة خاطئة «.. ويتابع د.عز العرب: « ولكن حتي لو افترضنا أنها معلومة صحيحة، فإن مصانع إعادة التدوير تقوم بإزالة الورقة التي تحمل تاريخ الصلاحية الأصلي وتضع ورقة تحمل تاريخ صلاحية غير صحيح، وبالتالي فإن الدواء يصبح فاسدا بعد فترة، بينما الورقة التي تحملها العلبة تشير إلي عدم وصوله لموعد انتهاء الصلاحية».. ويحمل عز العرب صورة اطلعت عليها «الأخبار» تبين كيف تقوم هذه المصانع بإعادة التدوير، وقال: « للأسف فإن هذه الأدوية المغشوشة تجد لها سوقا لاسيما في المناطق الريفية البعيدة عن المدن، حيث تكون الرقابة علي الصيدليات معدومة أو محدودة في أحسن الأحوال». التبادل بين الصيدليات ولا ينكر د.علي عوف رئيس غرفة تجارة الأدوية بالغرفة التجارية بالقاهرة، وجود الطريق الثالث لتجارة الأدوية التي قاربت علي انتهاء الصلاحية، لكنه في الوقت نفسه يشير في تصريحات ل «الأخبار» إلي طريق رابع، قال إن مسئولي المركز المصري للحق في الدواء ربما لم يلتفتوا له. ويوضح أن الطريق الرابع هو الأكثر شيوعا بين الصيادلة في التعامل مع الأدوية التي قاربت صلاحيتها علي الإنتهاء، وهو طريق التبادل، والذي دشنت صفحات علي موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» لتسهيله. ويتحدث د.عوف بمزيد من التفصيل عن هذا الطريق قائلا: « ليس كل الأدوية في الصيدليات حصل عليها الصيادلة من الشركات، فبعضها تم الحصول عليه من موزعين، وبالتالي قد يكون لدي صيدلي دواء خاص بشركة ما، حصل عليه من موزع، فيعطيه لزميله الذي يتعامل مع الشركة المنتجة لهذا الدواء، لتقوم بإعادته كمرتجع، وبالمثل يقوم هذا الزميل مع زميله بنفس الدور، إذا كان يتعامل مع شركة لا يتعامل معها الآخر». ويكشف د.عوف عن أن هناك بوادر لإدراك الشركات أن استمرار هذه المشكلة قد يقضي علي سمعة دوائها إذا وصل إلي مصانع إعادة التدوير، فاتفقت مع شعبة تجارة الأدوية في 9 سبتمبر الجاري علي غسل السوق، وذلك بتحديد فترة زمنية تمتد حتي 30 أكتوبر القادم لجمع كل الأدوية منتهية الصلاحية من السوق. ويضيف: « نتمني أن تستمر الشركات في هذا الطريق بشكل دوري، لأنها ستكون الخاسر علي المدي البعيد عندما تنال مصانع إعادة التدوير من سمعة دوائها». لا بديل عن الرقابة ويخشي د.عصام الدين عامر وكيل وزارة الصحة بمحافظة الشرقية، أن يزيد الحل الذي توصلت إليه الغرفة مع شركات الأدوية من خطورة ما قال إنه الطريق الخامس للتعامل مع الأدوية منتهية الصلاحية. ويقول د.عامر: «بعض الشركات التي لا تنجح في تصريف كل منتجاتها من الأدوية التي قاربت صلاحيتها علي الانتهاء تقوم ببيعها لصيدليات في المناطق الريفية، حيث تكون الرقابة أقل، وتجد تلك الصيدليات فرصة في شراء تلك الأدوية بأثمان بخسة، وبيعها للمستهلك بسعر مرتفع». والحل للقضاء علي هذه المشكلة هو تغليظ العقوبات علي الصيدليات التي تتعامل مع الأدوية منتهية الصلاحية والرقابة المشددة علي الصيدليات، وهو ما تقوم به مديريات الصحة في حدود ما لديها من إمكانيات بشرية. ويضيف: « مفتش الصيدلة له مقومات خاصة، فالحاصل علي بكالوريوس الصيدلة يحتاج لبرامج تأهيلية حتي يصبح قادرا علي أداء هذه المهمة، وتشمل هذه البرامج جوانب فنية وإدارية لا يتعرض لها في دراسته بالكلية، مثل نظام التهوية في الصيدلية، والذي ينبغي أن يكون بمواصفات معينة. ويوضح د.عامر أن العقوبات المصاحبة للمخالفات تتدرج من الغرامة وصولا إلي الحبس في حالات مثل بيع الأدوية المخدرة والمنتهية الصلاحية، مشيرا إلي أن عقوبة الأخيرة تصل إلي الحبس لمدة عام. الحبس لا يكفي ولا يكفي الحبس من وجهة نظر د.محمد سعودي الوكيل للسابق لنقابة الصيادلة للقضاء علي المشكلة، إذ لابد أن تكون هناك إجراءات نقابية شديدة لردع الصيدلي الذي تسول له نفسه التعامل في هذا السوق لبيع الدواء منتهي الصلاحية. ويقول سعودي للأخبار: « النقابة وظيفتها الدفاع عن الصيدلي، لكن في الوقت نفسه إذا أدين لابد أن تعاقبه، ولكن لن يحدث ذلك إلا إذا تعاونت جهات التحقيق وأبلغت النقابة بمخالفات أعضائها، وهذا لا يحدث في بعض الأحوال»..وإضافة إلي إجراءات الردع يتحدث د.محمد عز العرب المستشار الطبي للمركز المصري للحق في الدواء عن إجراءات يجب أن تتخذها الدولة، واجراءات أخري يجب أن يتخذها مستهلك الدواء. ويقول عز العرب: « يجب تفعيل التفتيش الصيدلي بشكل أكبر، إذ لا يكفي 1200 مفتش صيدلي، هم كل طاقة إدارة التفتيش الصيدلي بوزارة الصحة، لتغطية 63 ألف صيدلية بمصر»..وطالب عز العرب وزير الصحة بالتواصل مع وزير العدل لإعطاء مفتشي الصيدلة حق الضبطية القضائية، بما يجعل دورهم فعالا وحيويا في الرقابة علي الصيدليات، ويجب - أيضا - أن يتم توفير الحماية اللازمة لهم، لأن أغلبهم من النساء. سياسة تعقب الدواء وتتفق د.سماح رجب مدير عام تسجيل الأدوية بوزارة الصحة مع الرأي السابق في الحديث عن أهمية الرقابة، لكنها تشدد علي أنها تحتاج لتعاون أكثر من جهة، وتحديدا وزارة التموين وجهاز حماية المستهلك. وذهبت مدير عام تسجيل الأدوية بوزارة الصحة، إلي ما هو أبعد من الرقابة، وقالت: « نطمح أن يقوم المستهلك بالتأكد بنفسه من صلاحية الدواء عبر تطبيق سياسة تعرف باسم ( تعقب الدواء) «.