احترت بين عشرات الأفكار لأختار منها ما أكتب عنه مقال هذا الأسبوع، حتي شاهت بالصدفة علي قناة »الحياة« حواراً مع الرجل المحترم وزير الإسكان الأسبق المهندس حسب الله الكفراوي.. الحوار كان ثرياً ومليئاً بالأسرار والخبايا التي دارت في كواليس الحكم خلال فترة وجوده في الوزارة وبعدها، والتي تعكس حجم الفساد الرهيب واستغلال السلطات والتعامل مع الوطن علي أنه عزبة يملكها ويتحكم فيها كل من يمت بصلة أو له علاقة بالسلطة والسلطان. وبعيداً عن قضايا الفساد التي يتولي أمرها الآن النائب العام المحترم الذي وضع الشعب ثقته فيه لكي يكشف ما خفي وهو أعظم كثيراً مما نقرأ ونسمع، فإنه قد استرعي انتباهي كيف كان الوزراء في زمن حسب الله الكفراوي يعتبرون أنفسهم خُداماً للوطن والشعب، وأنهم كانوا ينأون بأنفسهم عن الاستفادة والتربح من مناصبهم لأنهم كانوا يعرفون الحرام والحلال، ويدركون كل الإدراك أنهم محاسبون علي كل صغيرة وكبيرة وأي قرار يتخذونه، ليس من الجهات الرقابية ولكن من المولي سبحانه وتعالي. وقد أخذني حديث الرجل المحترم المهندس حسب الله الكفراوي لكي أسرح كثيرا في نوعية الوزراء الذين ابتلي بهم الشعب وابتليت بهم مصر، خاصة خلال العقد الأخير.. فكثير من هؤلاء الوزراء كانوا من المشتاقين للوصول إلي الوزارة والوصول إلي السلطة والاقتراب من السلطان، لا لشيء إلا لتحقيق المكاسب وجني الثروات و»هبر« ثروات البلد.. هذا النوع من الوزراء يختلف تماما عن الوزراء في زمن حسب الله الكفراوي، الذين كانوا يقبلون المناصب علي مضض وتحت ضغوط شديدة، لأنهم كانوا ينظرون إلي المنصب علي أنه هم وبلوة وحمل ثقيل، لا كما ينظر إليه الآن كفرصة للسلب والنهب واستغلال النفوذ. وتجاه الضغوط العنيفة التي تنوء بحملها الجبال، كثيرا ما كنت أتحدث مع نفسي وأقول إنه لا يمكن أن يكون مثل هؤلاء الوزراء أو المسئولين بشراً يدينون بملة ولا دين، لأنهم لو كانوا كذلك لشعروا بالحالة المذرية المتدنية التي آل إليها وضع المصريين.. ولا أدري كيف سيحاسب التاريخ وزيراً مثل وزير المالية الذي تفنن في تفريغ جيوب المصريين التي كانت فارغة في الأصل إلا من الفتات لكي يثبت لرئيس الدولة أنه عبقري زمانه، وأنه قادر علي جلب الموارد من مصادر لم يفكر فيها أحد قبله! كثيراً ما كنت أتعجب وأتساءل: كيف لا يحاسب هذا الرجل وهو يجلس وسط نواب الشعب في حالة انشغال تام بالتسلية بألعاب الموبايل حتي في وقت مناقشة أمور دقيقة تتعلق بالميزانية؟!.. ورغم أن رئيس مجلس الشعب قد رأي ذلك بنفسه- وإن لم يكن رآه فقد نشرت الصحف صورة الوزير يلعب بالموبايل أكثر من مرة- إلا أنه أغمض العين علي هذا التصرف المشين الذي إن دل فإنما يدل علي استهتار بمقدرات هذا الشعب. وللأسف فإن حكومة الفريق أحمد شفيق التي تشكلت في عز الأزمة مازالت »تحوي« نماذج من هذه النوعية التي تنعمت في ثروات الشعب بغير حق ولم تقدم له إلا كل ما جعله ينقم علي حياته ويكره البلد، وهي نوعية لا تصلح بحال من الأحوال للاستمرار في مرحلة ما بعد ثورة الشباب، التي نتمني أن نري بعدها وزراء من نوعية المحترم حسب الله الكفراوي، الذين يفهمون ويعون جيداً أنهم أختيروا للجلوس علي كرسي الوزارة ليكونوا خُداماً للشعب المصري الطيب يرعون مصالحه ولا يصدرون من القرارات إلا ما فيه راحته ورخاؤه.. لذلك فانني أتمني أن يكون هناك تدقيق شديد قبل اختيار أي وزير سواء لاستكمال الوزراء الناقصين في الوزارة الحالية أو في حالة تشكيل حكومة جديدة حتي لا يدخل الوزارة من هو ليس جديرا بحمل شرف لقب خدَّام الشعب. »الأخبار«.. النسخة ب 001 جنيه! أعلنت منذ اليوم الأول لتعيين أخي وزميلي العزيز الأستاذ ياسر رزق رئيسا لتحرير »الأخبار« عن أنني أصبحت مطمئنا ومتفائلا بعودة معشوقتنا الحبيبة لتتبوأ مكانتها اللائقة بها، وتتولي قيادة عجلة السوق الصحفية، وذلك لما يتمتع به ياسر من حرفية صحفية عالية وثقة بالنفس، بالإضافة لما تمتلكه »الأخبار« علي وجه الخصوص من كوادر صحفية تمتلك من الخبرة والميراث الصحفي الذي ورثته عن مدرسة مصطفي وعلي أمين، ما يؤهلها لتقديم الثورة الصحفية الجديدة، التي أتوقع أن تدحض مقولة أن الصحافة الإليكترونية يمكن أن تقضي علي الصحافة الورقية. وقد أثبتت الفترة القصيرة جداً- منذ تولي الصحفي المتميز ياسر رزق المسئولية- صدق حديثي وتوقعي، بل إن الأمر وصل إلي أن أصبحت »الأخبار« خلال أحداث ثورة 52 يناير الصحيفة الأولي التي تتناول موضوعاتها المحطات التليفزيونية العالمية قبل العربية والمحلية بالشرح والتحليل، نظراً لما تمتعت به »الأخبار« من مصداقية وشفافية وانحياز لنبض المواطن وأحاسيسه منذ أول يوم، فلم تنافق الدولة أو الحكومة، ولم تنتظر حتي تتضح معالم الصورة لتري من المنتصر ومن المهزوم لتركب موجته، بل أدت دورها الطبيعي إلي جوار المواطن المصري البسيط الذي تفاعل مع ثورة الشباب بعد أن فاض به الكيل وضج من تجاهل وظلم حكم ونظام كان يدعي في كل مناسبة أن الشعب علي رأس أولوياته، في الوقت الذي كان فيه أغلب المسئولين يعملون لصالحهم الخاص وينهبون ثروات الشعب المسكين. لذلك فقد سعدت أشد السعادة وأنا أسمع من أحد باعة الصحف سيمفونية مدح ومديح في »الأخبار« وتغطيتها الرائعة المتميزة لأحداث الثورة من البداية إلي النهاية، إلي الحد الذي جعل أحد القراء يستجدي بائع الصحف لكي يبحث له عن نسخة ولو كان ثمنها مائة جنيه بعد أن نفدت الكمية المطروحة في وقت قياسي. .. مع أخي وزميلي ياسر رزق لم أعد فقط مطمئناً ومتفائلا، بل إنني في قمة السعادة وأنا أري كثيراً من القراء يتنازلون عن صحف الإثارة والمبالغة التي خدعتهم بالحواديت والعناوين البراقة ويضعون كل ثقتهم في »الأخبار«.. ولكل قرائنا الأعزاء أقول أننا مازلنا في البداية، وأن جعبة صحفيي »الأخبار« مليئة بالأفكار التي أكرر مرة أخري أنها سوف »تجرجر« السوق الصحفي وراءها، وتفرض علي الزملاء في الصحف الأخري أن يبذلوا جهداً جهيداً لكي يلحقوا بركب صحافة أبناء مصطفي وعلي أمين. تعظيم سلام بعد أن أوشكت الأزمة الصعبة التي عشناها منذ انطلاق الثورة علي الانتهاء أجد من الواجب عليَّ أن أشيد بكل اخواني وزملائي العاملين في شتي قطاعات دار »أخبار اليوم« في التحرير والمطابع والتوزيع والنقل الذين انتفضوا بالتعاون مع رجالة بولاق الجدعان دفاعا عن دارهم الحبيبة في مواجهة الأخطار المحتملة من بعض البلطجية الذين تربصوا ب»أخبار اليوم« في تلك الأيام الصعبة. كما لا يفوتني أن أضرب تعظيم سلام لرجال قواتنا المسلحة الذين شعرنا بالاطمئنان في حراستهم لمباني »أخبار اليوم« مما كان له أبلغ الأثر في أن يسير العمل في إصدار صحفنا ومجلاتنا علي الوجه الذي يرضي قارئنا العزيز.