كنت اتمني ان اكتب شعرا في الثورة.. لكني تأخرت في الكتابة وانقضي وقت الشعر بعد ان سقط النظام وذهبت السكرة وجاءت الفكرة.. ويالها من فكرة عويصة تدفعنا دفعا الي الخوف ان تصبح الثورة عبئا علي مصر. كيف يمكن لهذه الثورة الرائعة البيضاء الناصعة ان تكون عبئا وهي التي حررتنا من التقزم والظلم والفوضي والقمع؟ والاجابة: هي خوفي من الاحلام الوردية التي تريد ان تجري بسرعة الثورة نفسها ولا تتحملها الدولة.. اخاف ان يتخيل الثوريون ان الحياة لابد ان تكون باللون البمبي في اسابيع واشهر قليلة، فيجد كل العاطلين عملا وتزداد الرواتب وتنخفض الاسعار.. واذا لم يتحقق ذلك ينزل الشباب الي ساحة الفيس بوك والي ميدان التحرير.. اخاف ان يضغط الثوريون علي الحكومة الجديدة لكي تقدم لهم مصر جديدة دون وعي بمتطلبات مرحلة صعبة وعصيبة تحتاج الي الصبر ودرجة عالية من الوعي ودرجة اعلي من التفاهم والتناغم بين الشعب والنظام الجديد.. اخاف ان تتجزأ الثورة وتنفجر الي شظايا صغيرة من الطلبات الخاصة قبل بناء الدولة من جديد في اشكال متعددة من الانتهازية داخل المؤسسات والشركات وكل القطاعات.. واحد يريد حافزا وآخر يريد علاوة وثالث يريد ترقية ورابع يريد المساواة بزميل اكفأ منه.. فتتحول الثورة العظيمة بمبادئها الراقية الي مجموعة ثورات خاصة تضغط علي الدولة التي ورثت انهيارا في كل مناحي الحياة فهل تستطيع ان تلبي كل الطلبات ولا تستطيع ان تقول »لا« ولا ان تقول نعم فتغرق في تفاصيل بينما هي في حاجة ملحة الي انتقال سلمي هاديء لنظام حياة جديدة يركز علي الجوهر. ومن هنا يجب علي المثقفين ووسائل الاعلام ان يغيروا مفاهيم الشعب ويمحوه من السطحية والانجراف نحو تفتيت الثورة.. لابد ان يتغير الشعب ايضا ليصبح »علي مقاس« هذه الثورة النموذجية التي نجحت بالوعي والفهم.. ولابد من مصارحة انفسنا ومدي حاجتنا كشعب الي التغيير.. لابد من ثورة ثانية يتغير بها الشعب من تلقاء نفسه ويمارس الوعي في ميدان الحياة وليس ميدان التحرير.. لقد حررنا مصر من النظام الفاسد وعلينا ان نحرر انفسنا من السلوك الفاسد.. علينا الاقلاع عن عاداتنا المقيتة وهواية الاعتداء علي حقوق الشارع في النظام والنظافة.. علينا ان نثبت فعلا اننا شعب متحضر انتاج ثورة متحضرة، فلا نسمع مرة اخري الجملة الشهيرة »انت مش عارف انا مين«!. الثورة نجحت لكنها الآن علي المحك.. واذا لم يتغير سلوك الشعب، لن تعيش هذه الثورة فينا رغم اننا الذين فجرناها.. لتتحول بالزمن الي تاريخ وارقام ومجرد محاولة ناجحة لتغيير وجوه بوجوه.. واهم ما اريد ان نبدأ به هو العلاقة بين المواطن ورجل الامن.. لا يصح ان يفقد جهاز الشرطة هيبته.. لابد ان نتطوع نحن ونعيد له هيبته في اطار القانون.. لابد ان تكون له السلطة والقوة ضد الخارجين علي القانون ليحمينا ويحمي المجتمع.. ولا تكون له السلطة والقوة علي الشرفاء والمظلومين كما كان يحدث.. لابد ان نتغير معا الشعب والشرطة.. واخيرا لابد ان نثور علي انفسنا، وهي الثورة الاهم التي تحمي الصورة الجميلة لثورتنا علي النظام.