»أنقل لكم احساسي من شوارع القاهرة!!« الاثنين: سرت في شوارع القاهرة أمس لأول مرة بعد خطاب الرئيس الذي أعلن فيه الاستجابة لمطالب الشعب، وما أقل ما يسمح لي الوقت بالسير في الشوارع من غير هدف أو عمل، ولكني في هذا اليوم قصدت أن أفعل، لم اكن بغير هدف أو قصد.. أردت ان أشاهد الأحداث علي الطبيعة، أن أري الشباب وأحس بهم في هذا اليوم الذي كنا لا نتوقعه جميعا، ولا نتخيل أنه سيحدث يوما. تخيلت أن روح الشعب قد تغيرت، وأن قلوبهم قد تفتحت، وأفئدتهم أشرقت بأمل جديد، ربما كان هذا خيالا لا حقيقة، فإن الشعب لا يمكن أن يتغير بين يوم وليلة، ربما كان هو إحساسي أنا قد انتقل اليهم، فخلت أنهم تغيروا، ولكن إحساسي ليس إلا جزءا من إحساسهم، أنا وهم ابناء وطن واحد، شعرنا جميعا أننا تغيرنا.. مجرد شعور. إن اكثر مشكلاتنا لا يزال كما هو، الفقر يضغط علي الكثرة من الشعب، والجهل مازال مقيما، والتحمل والرضا بالقليل، والقناعة والصبر علي الهموم وغير ذلك من صفات الشعوب التي استسلمت وخضعت للواقع، وذاقت الظلم، وفقدت حريتها، وعانت من عدم الاستجابة لمطالبها، ورأت الفساد يستشري دون ان تستطيع مقاومته، كل هذه الاشياء مازالت موجودة، ومازال الشعب يعاني فيها. ولكنني أحسست أمس أن مفتاح مشكلاتنا كلها أصبح في أيدينا، فالسبب الذي من أجله قنعنا ورضينا وخفنا وشملنا الذل والخنوع في طريقه الي الزوال، هذا هو الشعور الذي أحسست أنه يسري في الشعب أمس، وهو ليس شيئا قليلا، إنه أعظم شيء، إنه وحده هو الذي سيقضي علي الذل والفقر والبطالة والخوف والقناعة بالقليل! أحسست أن الوطن يضع قدمه علي الطريق الصحيح للقوة والتقدم والرخاء والطمأنينة، إن الحرية هي غذاء الشعب، إنها ليست حقا فحسب، ولكنها حق يوازيه في الجانب الآخر واجب، والشعوب التي احتفظت بالحرية، ولم تفقدها أبدا، هي الشعوب التي فهمت الحرية علي انها حق وواجب، عقل منطلق وقلب واع وشعور بالمسئولية، وتعاون نحترم فيه حقوق الآخرين وحرياتهم، هذا هو الفهم الصحيح للحرية، وهو ما نرجو أن يستقر في أذهان الشعب.. فليست الحرية هي الفوضي. مؤامرات في الخفاء! الثلاثاء: لابد أن نتذرع بالحكمة والوعي كأفراد وشعب، ونحن نجتاز مرحلة من أدق المراحل في تاريخنا، أما الحكمة فلكي نحسن تقدير النتائج، ونحتكم الي العقل دون أن ننساق وراء العاطفة.. وأما الوعي فلكي نضع كل شيء في حجمه الحقيقي. فلا نبالغ حيث لا يكون هناك مجال للمبالغة، ولا تتفاءل حيث تكون دواعي التفاؤل مظهرية لا تعتمد علي أرض صلبة من الحقائق، ولا نتشاءم أبدا، لأن التشاؤم فقدان للأمل، وإضعاف للقدرة، وإغلاق رللمسالك والأبواب! والشعوب لا تفقد الأمل، ولا تنغلق أمامها المسالك والأبواب، بل هي قادرة بالإيمان والجهد أن تخلق الأمل، وأن تفتح الأبواب المغلقة، ولم يرو التاريخ قصة شعب مؤمن شجاع فقد الأمل أو إنغلقت أمامه الأبواب، ولكنه روي عشرات القصص التي فتح فيها الايمان والجهد والعمل جميع الأبواب المغلقة.. ولنحذر.. فإن هناك من يدير المؤمرات لنا في الخفاء لاشاعة الفوضي وقتل الأمل في نفوس الشعب وإضعاف الايمان في صدورهم بما يذيعونه وينشرونه ويكتبونه، فلنحذر أن نستمع اليهم، ولنحذر أن تضيع الحقيقة منا في طوفان هذه الدعايات، والحقيقة أن الشعب يناضل لكي يحفظ كرامته وحريته، وحقوقه التي كفلها له الدستور، وأن يلاحق الفساد والفاسدين، ويطهر البلاد منهم، والذي يناضل من أجل كرامته وحريته ومستوي معيشته ليس أمامه إلا الإصرار لرد كرامته وحريته، أو يستسلم ويظل خانعا ضعيفا ذليلا، وهذا ليس طريق الشعوب العريقة. ان التحمس الإنفعالي لا قيمة له، لأنه يخمد عند أول صدمة، إن ما نريده هو الإيمان المستند الي العقل والإدراك والفهم الشامل، وتصور أبعاد ما نقوم به من تغيير وتصحيح للمسار، إننا لسنا دعاة هدم أو تخريب أو مبالغة في حجم ما نطالب به، ولم نكن في يوم من الأيام، ولكننا أصحاب حق نطالب به، ولابد أن نبلغه مهما تكن العقبات والتضحيات، ولن نبلغه بالتحمس الانفعالي الاهوج، والعاطفة التي تكون مدمرة أحيانا، ولكن نبلغه بالعقل والحكمة والتفكير المتزن العميق، ونحن نضع أمام أعيننا مصلحة مصر العليا. من هنا تزعزعت الثقة! الاربعاء: انني أشعر بالحزن العميق بعد أن سمعت وشاهدت ما يحدث في ساحة ميدان التحرير من شبابنا الواعي المثقف.. لا أصدق أن هذا الشباب- رغم انني معه واسانده بكل مشاعري- يمكن أن ينزلق الي هذا الأسلوب غير اللائق في التعبير عن آرائه.. وغضبه.. واحتجاجاته، لا أصدق أنهم يطلبون من رئيس الجمهورية الرحيل بطريقة غير كريمة لا تتفق مع اصالتنا وسماحتنا واخلاقنا كمصريين، بعد كل التضحيات التي بذلها من أجل مصر وقاد الطيران في حرب اكتوبر، وبدأ بالضربة الأولي التي انهكت العدو، واستعاد ارض طابا.. وغير ذلك من البطولات والأعمال الجليلة ما أسهل ما تجري الاتهامات علي ألستنا، قلما نعرف الأسلوب الوسط، والعبارة الدقيقة الانيقة، التي تنقل افكارنا وآراءنا دون كلمات وعبارات جارحة تمس كرامة الأشخاص، ان عواطفنا تحركنا اكثر مما تفعل عقولنا، وعندما تعوزنا الحجة أو نحس يضعف موقفنا لا نسترده بغير العبارة الجارحة، والكلمة النابية. قلما نعرف أن الرجوع الي الحق فضيلة، وأن الاعتذار عن الخطأ اذا جاء في الوقت المناسب، يرفع صاحبه في أعين الناس.. ويجعله بينهم عادلا لا يحب أن يأخذ ما ليس له حق فيه، كما لا يحب أن يدع ما له حق فيه. لا أكاد اعرف سياسيا أو رجلا تصدي للخدمة العامة في مصر ولم يصبه، سواء في الصحف أو في المجالس الخاصة، رذاذ من ألسنة السوء، بل لا أكاد اعرف رجلا اعتزل الناس، وتحاشي الاندماج في أوساطهم نجا علي الرغم من ذلك من قالة السوء، فاكثر أحاديثنا عن الاشخاص، وكلما علا حظ الشخص من الشهرة، علا حظه من الاتهام! من هنا تزعزت ثقة الناس فيما يقرأون وما يسمعون من تصريحات وبيانات وخطب، وافترضوا أن وراءها حتما غرضا مستقرا هو الدافع الأول عليها، وهذا الدافع المستتر هو الذي يعني الناس أن يعرفوه، وقلما يلقون بالهم الي ما في هذه الخطب والبيانات والتصريحات من روح طيبة أو رغبة في الاصلاح، أو انتصار للعدل ودفاع عنه، ذلك انهم تعودوا أن لا يسير شيء خالصا لوجه الوطن والاصلاح والعدل، بل تعودوا أن يروا النوازع الشخصية تلون مصالح الوطن ورغبات الاصلاح والعدل، وقد يكونون مخطئين في هذا الوهم بعض الأحيان. ولكن الخطأ الاكبر يقع علي هؤلاء الذين تعودوا أن يدخلوا الأغراض والنوازع الشخصية في كل شيء، فأفسدوا علي الشعب حسن التقدير وسلامة الحكم. انني احيي هذا الشباب السائر علي النظام وادعو له بالتوفيق، واحذره من الشائعات التي يطلقها اعداء مصر والمتآمرون عليها. احتراما لتاريخ مصر الخميس: سيتبدل كل شيء في مصر ابتداء من الآن وبعد تصحيح المسار، سيتبدل الفهم والوعي والإحساس، ستتبدل اللغة التي نتحدث بها، والمشاعر التي نحس بها، والآمال التي تطوف بخواطرنا. ان انتهاء هذه الفترة التي اتسمت بالفساد والتزوير والبطالة والغموض وتفصيل القوانين علي مقاس قلة من المستفيدين، هو انهيار سد من الظلم الاجتماعي، والخوف والفقر والذل، أنظروا الي البلاد التي تتمتع بالديمقراطية، ولماذا نأخذ الأمثلة من غيرنا، وبلادنا ذاتها مثل عظيم، انها بلاد ذات حضارة عريقة، كان الفراعنة الاحرار يضيئون في عالم مظلم، كأنهم ماسة كريمة الأصل والجوهر، ونحن قد جمعنا اكرم أصل، وانقي دم، لسنا اخلاطا ولم نكن يوما من الأيام، صهرت أرضنا الطيبة كل شعب وجنس ولغة، وفي أسوأ أيامها كانت ملجأ للاحرار والمضطهدين، وفي تربتها نما نبت الحرية، بالرغم مما شهدته من ظلم وخوف وفقر. الآن يذهب هذا كله، وتخرج الماسة الكريمة من تحت التراب، وهي أشد لمعانا، وأعظم بهرا وسناء. تحية في هذا اليوم العظيم للمجاهدين من شبابنا، تحية للاطفال والأمهات الذين شاركوا في الجهاد، تحية للذين ماتوا ولم يعرفهم أحد، تحية للدماء التي روت هذه التربة الطاهرة. تحية لمن جاهدوا في الأيام الماضية، إنها ملحمة بطولة مستمرة، أنبتتها وروتها هذه الأرض الطيبة التي نقبلها اليوم بأفواهنا وقلوبنا، وقد ارتفعت رايتها، وسمت في العالمين غايتها، بعد أن تطهرت من الفساد والظلم والاستحواذ علي السلطة، وإهمال مطالب الشعب، وترك الشباب عاطلا بلا عمل، وأفراد الشعب محرومون من ضروريات الحياة. لقد حسم رئيس الجمهورية الموقف، وأعلن بداية الطريق الي الاصلاح السياسي.. إنه الطريق الذي نادي به الشعب، ومازال ينادي به، واستجاب الرئيس لندائه.. فلماذا لا نعطيه الفرصة لتنفيذ ما أعلنه، ونتركه بعد ذلك يسلم الراية لمن بعده في هدوء وسلام وكرامة.. احتراما لتاريخ مصر أولا، ثم احتراما لما قدمه للوطن من تضحيات وانتصارات كانت موضع تقدير العالم بأجمعه. شباب فقد الأمل! الجمعة: جاء في شاب يتعثر في خجل واستحياء، قال أنه تخرج في كلية التجارة بدرجة جيد، وقد إحتار ماذا يفعل؟.. انه لا يجد عملا فلا واسطة ولا شفيع له، وقال انه طرق ابوابا كثيرة، باب وزارة التجارة، وباب مصلحة الضرائب، وباب وزارة المالية، وحتي الآن لم يلتفت اليه أحد، أو يهتم بشأنه كإنسان وسألني ما اذا كنت استطيع أن اساعده؟ قلت: هل أخذوا أحدا غيرك؟، قال: لقد رفضوا طلبي، ولا أعرف هل أخذوا أحدا غيري أم لا.. قلت: اذن معني هذا انه لا توجد لديهم وظائف خالية! قال: وحتي لو لديهم وظائف خالية، فهل سيأخذون شابا مثلي بدون واسطة.. إن الذي يعتمد علي نفسه في هذا البلد لا يجد عملا حتي لو كان العمل متاحا.. قلت: دافع عن حقك ما استطعت.. أبذل المزيد من الجهد حتي تعثر علي عمل.. قال: وهل لي سلاح أدافع به.. إنني شاب ناشيء لا يعرفني أحد.. ولا يأبه بشأني أحد! لماذا هذا الجحود؟ السبت: لا اعرف اذا كان ذلك مصادفة أم لا، ولكنني التقيت اليوم برجل كبير النفوذ والمقام، له سلطان واسع، وأخذت استمع اليه، كان يبدو لي وكأنه لا يدري شيئا عما يحدث في البلد، أو قد يكون يدري ولكنه يحاول أن يتجاهل الاحداث حتي لا أحرجه بأسئلة قد لا تعجبه، كان متحاملا علي الشعب والساسة والنظام والحزب الحاكم ورجال الأعمال والاقتصاد، وفي عبارة موجزة شتم البلد كله. وسألت نفسي: لماذا هذا الجحود.. ان بلده الذي شتمه هو الذي جعله من هو اليوم، سلطة وثروة وفخامة، وسيارة فارهة، متي نعرف كيف ننصف أنفسنا، وننصف الناس، وننصف الوطن الذي نعيش فيه، وندعي اننا نعيش له.. ومن أجله.. كم عندنا من الجاحدين والناكرين لفضل مصر عليهم مثل هذا المسئول ذي المقام الكبير!