لصالح من هذه الدماء الذكية التي سالت في ميدان التحرير. لقد حذرت بالأمس من مثل هذا الصدام المجنون الذي لا نتيجة له سوي تشويه وجه مصر والعمل علي ازدياد الاحتقان والمرارة وتصاعد العنف الذي تدفع مصر ونحن جميعا ثمنه غاليا.. من حق كل مواطن ان يعبر عن رأيه بحرية ولكن ليس من حق احد اللجوء الي سفك الدماء لفرض وجهة نظره . نعم لقد عاشت مصر وتعيش اوقاتا عصيبة وحزينة ومأساوية من جراء مهزلة تقاتل المصريين وسفك دماء بعضهم البعض. أيها الشباب.. أيها المصريون أيها الوطنيون.. انتم مدعوون اليوم إلي كلمة سواء.. لانقاذ مصر الوطن والمستقبل لصالح أمنكم واستقراركم وأولادكم وأخوتكم وكل أفراد أسركم. لا أحد ينكر أنكم قد قمتم بعمل جليل لدفع مسيرة الديمقراطية والحرية وأنه كانت هناك استجابة مسئولة لمطالبكم من جانب الشرعية الدستورية ممثلة في الرئيس حسني مبارك مدعمة بخطوات واضحة صادقة وأمينة لوضعها موضع التنفيذ. كان يجب أن يتسم استقبالكم ايجابيا لهذا الخطاب الذي انطلقت كلماته من القلب حرصا علي أمن وأمان مصر. لقد رضي الرئيس لنفسه أن يتحمل فوق طاقة البشر عندما قرر في خطابه الاستمرار في تحمل المسئولية الثقيلة لشهور قليلة حتي تتم عملية انتقال السلطة إلي الرئيس الجديد الذي يختاره الشعب بهدوء وسلام يحفظ لمصر استقرارها ولشعبها صورته الحضارية . شملت هذه الخطوات التي تضمنها الخطاب التاريخي إتخاذ إجراءات ادخال التعديلات المطلوبة لمواد الدستور المرفوضة شعبيا بما يضمن التحرك نحو الهدف المأمول . كان المحور الاساسي لكل ما تم عرضه هو تجنب أي فراغ دستوري يقود إلي الفوضي وانجراف الوطن إلي الانهيار والضياع. كان يجب ان يكون السلوك الطبيعي لشباب ميدان التحرير بعيدا كل البعد عن العناد.. واللجوء غير المسئول للمساس بكرامة رئيس مصر. كان عليهم أن يدركوا في اطار من الحس الوطني والاصالة بأن مطالبتهم للرئيس بالرحيل بعد استجابته لمطالبهم قد صدمت مشاعر الاغلبية الصامتة من أبناء الشعب وهزت وجدانهم واشعلت نخوتهم وشهامتهم . من هنا جاء تحرك هذه الجموع عفويا وجميعهم كانوا من مؤيدي مطالب الشباب- كان هدفهم ان يقولوا »لا« للخروج عن القيم المصرية الأصيلة وليؤكدوا أن طلبهم للحرية والديمقراطية لايجب أن يتناقض مع هذه القيم والسلوك الأخلاقي خاصة مع رجل مثل مبارك بتاريخه الوطني المشرف حتي لو كانت هناك بعض الشوائب والسلبيات في التعامل مع آمال الشعب وتطلعاته. لم يكن غريبا أن يدخل علي الخط بين هؤلاء الشرفاء من أبناء الشعب الذين خرجوا في كل أنحاء مصر.. اعداد من المنحرفين والمأجورين من الذين احترفوا في مثل هذه الظروف استثمار التوجهات والنيات الطيبة في اعمال خارجة . ان ما حدث هو صورة طبق الأصل لما تعرضت له مظاهرات ميدان التحرير التي كانت هدفا لقرصنة المتربصين بأمن واستقرار مصر الذين سعوا الي اشعال نيران الفتنة باستخدام كل اسلحتهم للاثارة المدمرة علي امل النجاح في القفز علي السلطة. لم يضعوا في اعتبارهم ولم يبالوا بانهم يقودون الموقف الي هذا الصدام الدموي الذي شهده ميدان التحرير والذي كان معظم ضحاياه من الشباب البريء والمواطنين الذين اجتمعوا علي حب مصر . وهكذا وقع المحظور الذي شوه كل صورة حلوة عن مصر وشعب مصر. كان من الضروري وحرصا علي حياة الابرياء العمل منذ البداية علي فض الاشتباك وان يُحدد لكل طرف مكانا بعيدا عن الآخر للتعبير عن وجهة نظره وهو ما لجأت اليه قواتنا المسلحة أمس. ان الذين اقنعوا شباب التحرير بالتشكيك في مبادرة الاصلاح السياسي الشامل الوطنية هم أنفسهم الذين دفعوهم للمساس بكرامة الرئيس مبارك لاثارة النفوس والعواطف. ان العناصر المغلوتة هي التي كانت وراء تبني هذا السلوك غير الحضاري الذي أدي إلي هذا الصدام المأساوي الذي سال فيه الدم المصري الغالي في ميدان التحرير. يا لا هول هذه اللحظات الصعبة والعصيبة . اين كان العقلاء والشرفاء الذين كان عليهم العمل علي وقف مهزلة الاندفاع نحو هذه المواجهات والصدامات الدموية. الشئ الواضح ان الطرفين قد وقعوا في شرك الصائدين في الماء العكر. كان هدفهم دفع مصر إلي المزيد من الآلام والحزن والمعاناة ولكي تزداد همومها واعباؤها ويا... شماتة الاعداء. ليس من تفسير لهذا الاصرار من جانب بعض الاطراف المريبة علي رفض عملية الانتقال السلمي للسلطة سوي أن حب مصر وأمنها واستقرارها لم يكن أبدا ضمن اهتمامات الذين يثيرون الفتنة ويساهمون في الانقياد للصدام الدموي. ان انقياد الشرفاء وراء المتربصين المحرضين علي التشنج والتشدد غير المبرر ليس من نتيجة له سوي تدمير مصر وضياعها وخراب بيوت ابنائها والقضاء علي طموحاتهم في النهوض بوطنهم وفي الحياة الكريمة. هل تستحق مصر العراقة والتاريخ والحضارة كل هذا الذي ويجري علي أرضها بتشجيع من الحاقدين والكارهين . لقد مارسوا خداع وتضليل قطاع شريف من أبنائها ودفعه إلي التهلكة. ليس هناك ما يقال في مواجهة هذه المحنة سوي أن اقول.. لك الله يا مصر.