كلما أعلن سياسي من أحزاب المعارضة السودانية انضمامه للمؤتمر الوطني الحاكم في السودان يقول الناس ان المؤتمر الوطني اشتراه، أو أنه استماله ترغيباً أو ترهيباً، حتي صارت مثل هذه الاتهامات تحوم حول كل من يتوالي مع الحزب الغالب. ولا أبرئ نفسي من مسألة توزيع مثل هذه الاتهامات علي الآخرين. فحتي عندما لم يكن هناك مبرر واضح لرمي التهمة نقول بها أيضاً. ولكن توالت علي بعض الحالات أخيراً لم أجد ما يدعم اتهامي لها، فلم يكونوا من أصحاب المصالح. وبعضهم خارج سوق البيع والشراء، وبعض منهم لم يكن من المعروفين بالانتماء السياسي. فقبل نحو نصف عام تقريباً جاء إلي مصر صديقنا الأستاذ محمد مبروك محمد أحمد مستشار تحرير صحيفة أخبار اليوم مرافقاً لابنه عبد الحليم الذي جاء للاستشفاء من ألم ألم به ولم يجد دواء لدائه في السودان، فجاء يطلبه في مصر ام الدنيا المؤمنة بأهل الله. والأخ مبروك كان أنصارياً وحزب أمة كذلك. وأذكر أنه كان يأتي من الكلاكلة قبل رحيله للأزهري ليصلي العيد خلف الإمام الصادق المهدي بمسجد ودنوباوي. وكانت معايدته تبدأ بام درمان. فعندما تحدثت مع مبروك في شئون السياسة وجدته قد صار من المتقدمين في المؤتمر الوطني، ومن الذين يشاركون في صنع القرار فيما يتعلق بالصحافة والإعلام. ولأنني لا أعلم مصلحة لمبروك يمكن أن يبدل بها ولائه صعب علي إتهامه لكنني لم أقو علي سؤاله عن سر التحول. وبعد فترة لم تطل من قدوم مبروك استقبلت في القاهرة أيضاً صديقنا الأستاذ عاطف الجمصي الصحفي الرياضي الهلالابي المعروف. ولم نعرف للجمصي ولاء سياسياً، ولم نعرف له انشغالاً بالسياسة، ومع ذلك وجدته يتحدث عن المؤتمر الوطني بقناعة كبيرة، ومن واقع انتماء أصيل. وعلمت منه أنه صار عضوا فاعلاً في قطاع الشباب بالمؤتمر. وفي ذات الأيام قرأت مقالاً لصديقنا الأستاذ ميرغني أبوشنب يكشف فيه ولائه للمؤتمر الوطني ومساندته لمرشحيه بقيادة الرئيس البشير. ومعروف عن أبوشنب أنه لا يداهن ولا يخادع ولا يساوم في كبير أوصغير. فبدأت قناعتي تهتز في أن المصالح هي التي تقود الناس للمؤتمر الوطني. وقبل فترة ليست بعيدة اتصل بي أخي وصديقي الخليفة عمر حضرة الختمي الاتحادي الديمقراطي وزير الإسكان في آخر حكومة للأحزاب قبل الإنقاذ. وتعود أخي حضرة أن يبرني بالأخبار الكبيرة. فقال لي أنه يريد أن يؤكد عبري ما قاله من قبل من مساندة للرئيس البشير في الانتخابات الرئاسية القادمة. وزاد علي ذلك بأنه يؤيد كذلك الدكتور عبدالرحمن الخضر لولاية الخرطوم ويؤيد الدكتور غازي صلاح الدين مرشح المؤتمر الوطني في دائرتهم الانتخابية. ومن خلال صلتي الوثيقة بالخليفة عمر حضرة وبشقيقه حسن أعلم أنهما قد تضررا كثيراً من الإنقاذ، فثلاثة من أبناء عمر فصلوا من الخدمة في عهد الإنقاذ، وكان حسن حضرة من المفصولين الأوائل من دار الأيام للطباعة والنشر. بل لعمر مظالم أخري أوصلته للمحاكم مع ذات وزارة الإسكان التي كان يقودها، هذا فضلاً عن مظالم الحضراب الذين نزعت ساحة الصلاة لمسجدهم وخصصت للناشئين بعد أن كانت لهم لثلاثة قرون من الزمان. وفوق هذا فإن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الذي يواليه الخليفة حضرة قدم مرشحين لكل هذه الدوائر التي أعلن عمر دعم مرشحي المؤتمر الوطني فيها، ومن بين هؤلاء المرشحين الأمير أحمد سعد عمر الذي تربطه بعمر وأبنائه والحضراب صلات وثيقة فسألته لماذا فعل ذلك فقال عمر إنه أعلن مناصرته للرئيس البشير ولمرشحي المؤتمر الوطني من أجل استقرار السودان ومواصلة مسيرة الإنجاز التي انطلقت بقيادة الرئيس البشير. وأنه يناصر الرئيس البشير لأنه الأقدر من غيره علي تعزيز السلام وتأكيد وحدة السودان. ولا يري عمر حضرة في ذلك ما ينتقص من ولائه الختمي ولاانتمائه الاتحادي بل هو يري ذلك متسقاً مع مواقف مولانا السيد محمد عثمان الميرغني الذي أعلن موقفاً واضحاً في مناصرة الرئيس البشير ضد قرارات المحكمة الجنائية الجائرة، وهو يري كذلك موقفه هذا مواكباً لمواقف الزعيمين الاتحاديين الراحلين المقيمين الشريف زين العابدين الهندي ومولانا السيد أحمد الميرغني. اللذين كانا يقدمان الوطن علي الحزب وعلي كل شيء سواه. وفي تعليل السيد عمر حضرة وجدت الإجابة للسؤال عن سر انضمام الناس للمؤتمر الوطني. فيبدو أنهم جميعاً ناشدون للاستقرار ولتعزيز السلام وتأكيد الوحدة. وهي أهداف تستحق أن يوالي من ينجزها، وأري أن تجربة المؤتمر الوطني وكسبه يؤهلانه لأن يكون الأقدر علي الوفاء بتطلعات أهل السودان في ذلك. ويكون بهذا جديراً بالنصرة والموالاة.