وهل من الممكن أن أتردد في تلبية هذه الدعوة الكريمة؟ الكاتب الصحفي ياسر رزق رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم ورئيس تحرير الأخبار قرر أن ينظم رحلة لرؤساء تحرير إصدارات الدار وعدد من كبار كتابها ومديري تحرير الأخبار إلي موقع قناة السويس الجديدة قبيل افتتاحها بأيام، وبعد نجاح اول تجربة عبور في الممر الجديد. من الصباح الباكر كنت في مقر الجريدة، بداخلي مشاعر افتقدتها منذ زمان طويل، أنا ذاهب إلي حيث تهفو روحي، وتستريح نفسي، ذاهب إلي مكان سوف اري من خلاله طاقة نور علي بكرة، وعلي كثرة البلاد التي زرتها في شتي انحاء المعمورة، وعلي كثرة الدعوات التي وجهت اليّ خلال عملي الصحفي الذي اقترب من الثلاثين عاما، كان هذا «المشوار» الاقرب إلي روحي والاخف علي نفسي .. لم أكن وحدي بداخلي هذه المشاعر، الجميع كانوا اكثر مني حماسا. أتلقي تليفونات متكررة من اصغر ابنائي يوسف يعتب عليّ انني لم اخذه معي إلي حيث القناة الجديدة «عايز اشوف ازاي حفروها في سنة.. ياريت اشوف فيلم عنها في قناة ناشيونال جيوجرافيك». بدأت الزيارة بلقاء امتد لأكثر من ساعتين مع الفريق مهاب مميش القبطان الذي قاد مركز انجاز القناة الجديدة.. رجل خلوق تري فيه ثقة القادة العظام في انفسهم، ليس غرورا، بقدر ما هي معرفة بحقائق الامور. تحدث الرجل كثيرا بصبر عن معلومات قد اكون اعرفها بحكم تكرارها كثيرا من المراسلين الذين تابعوا الانجاز ولكنه ايضا كشف لأول مرة عن اخبار جديدة كثيرة خص بها «الأخبار». أتوقف أمام معان كثيرة اعجبتني اولها تأكيده علي ان المكسب المعنوي من نجاح انجاز القناة الجديدة يفوق اي مكسب مادي .. وان المواطن المصري عندما يكون هدفه الوطن، يتفاني في الانجاز وهو ما حدث بالفعل في معجزة الحفر الذي كان مقررا له ثلاث سنوات ولكن القائد الرئيس السيسي اصدر امرا واجب النفاد بأن يتم الانجاز في سنة، وهو ما تم تحقيقه، حتي قبل السنة. سمعت كلاما كثيرا عن ضرورات المشروع وجدواه وأنه لم يكن له «لزمة» وأنه... وأنه وكلام خائب وغير موضوعي وينطبق عليه لفظ من يريد ان يضرب كرسي في الكلوب لكي يفسد فرحة المصريين بأحد اهم الانجازات.. وأكاد اراه ثاني اعظم انجاز بعد عبور قناة السويس في حرب السادس من اكتوبر المجيدة. اعود إلي مميش- مع حفظ الالقاب- وهو يتحدث عن الانجاز الذي دخل موسوعة جينس بتحطيم العديد من الارقام القياسية، كل هذا عظيم واعرفه، الرائع تأكيد الرجل انه ليس صاحب الانجاز، هناك الرئيس، والشباب، ورجال القوات المسلحة، وأبناء هيئة القناة، وقبل كل هؤلاء المواطن المصري الذي استجاب للرئيس لتمويل مشروع القناة. عدة افلام تم عرضها، وكان مميش يقاطع بصوته معلقا وموضحا.. كلها افلام جعلتني اشعر بالفخر، وسرت في جسدي فرحة فقدتها منذ سنوات امام اعظم هذه الافلام، كان الفيلم الوثائقي عن تدافع المصريين بالملايين علي البنوك للاكتتاب.. هذه سيدة مسنة تجاوزت الثمانين تقول بعفوية: انا جاية اساهم في بناء بلدي مع اني عارفة اني مش هاكون موجودة واخري : «انا جاية علشان اقف مع السيسي لأنه رجل طيب وقلبه علي البلد» وثالثة تسبقها زغاريد اطلقتها ابنتها: انا جيت علشان احفادي وولادي، عايزين نرجع لبلدنا كرامتها.. وتحيا مصر. اضيئت انوار القاعة، واكتشفت وانا اسارع بمسح دموعي التي غلبتني اني لست وحدي، اغلب الحضور كان حالهم من حالي، وهم يستمعون إلي كلمات البسطاء وهم يعطون درسا في الوطنية الحقيقية من دون تنظير ولا تقعير. لماذا كان المشروع من الاساس؟ سؤال طرحه الفريق مميش، وقال: إننا لن ننتظر عشر سنوات لنجد ان القناة لم تعد تلبي متطلبات حركة النقل البحري في العالم، ولم تعد مؤهلة لاستقبال الاجيال الجديدة من الناقلات العملاقة، الاهم مشاريع القنوات البديلة، وآخرها المشروع الاسرائيلي .. القناة المصرية سوف تختصر زمن الرحلة إلي النصف، وهذا يجعل مصر دولة محورية وسوف تكون هناك 6 مواني في شمال وجنوب القناة تخدم مع مناطق صناعية ولوجيستية وانفاق تربط سيناء ببقية الوطن. تليفون السادسة صباحا من الرئيس لمميش كان بداية مشوار تحويل الحلم إلي حقيقة، والمستحيل إلي واقع «هات اوراقك وتعال نتكلم». وبدأ الكلام، وتحول إلي دراسات وابحاث علي اعلي مستوي، وكان قرار القائد. الحديث عن اعجاز المشروع يحتاج إلي كتب ومجلدات.
بعد اللقاء كانت هناك جولة بحرية في القناة الجديدة.. نتحرك باللنش من امام مقر الهيئة بالاسماعيلية إلي احد التقاطعات التي تربط القناة الحالية بالجديدة.. اري بعض الكراكات تهذم الاجناب بتدبيشها بالحجارة. يسارع الزملاء إلي التقاط الصور التذكارية هنا وهناك، اسارع بالتقاط صور «سيلفي» لنفسي وخلف شواطيء القناة الجديدة.. اطلب من زملائي التقاط صور لي بجوار مركب تسوية الاعماق.. بالمناسبة قال مميش إننا نحسب الاعماق بأجزاء السنتيمتر وصلنا إلي المستوي المطلوب وهو 24 مترا ووصلنا في بعض المناطق إلي 26 مترا يعني عمارة بارتفاع 8 أدوار.. ما شاء الله. الكل مشغول بتدوين الملاحظات: هنا ستكون منصة الاحتفال أراه امامي كيف استطاع رجال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التغلب علي اكبر تحد في المشروع وهو النزول بسلسلة جبلية إلي المستوي صفر لكي تنساب فيها مياه القناة.. لا مستحيل امام ارادة المصري.. هنا كان خط بارليف.. او بقاياه.. اصبح في ذمة التاريخ.. ذاب مع المياه المتدفقة الهادرة. علي شمالي تمثال توضع لمساته النهائية لم اتبين ملامحه، وإن كنت اتمني ان يكون اكثر ارتفاعا وضخامة، والعذر ضيق الوقت.. علي يسار المنصة التي ستجري عليها مراسم الاحتفال مسجد بناه رجال القوات المسلحة مصبوب بالكامل من الاسمنت. تذكرت الكلام الخائب من احد الموتورين الذين وصفوا القناة الجديدة بأنها مجرد ترعة، او انها طشت..؟! ضحكت في سري .. وحزنت علي هؤلاء الذين يتاجرون ببلادهم، وحزنت اكثر علي المخدوعين والمغرر بهم.. ياريت كل مصري ييجي يشوف بعينه، ياريت كل طالب جامعة يركب مركب ويعدي في القناة لكي يعرف ان بلاده عظيمة وان ابناء جيش بلده من المخلصين الشرفاء النبلاء الذين يبنون ويحاربون ويدافعون عن الانجاز. عدت أدراجي وتمنيت رغم ارهاق الرحلة، ودرجة حرارة الجو ألا تغرب شمس ذلك اليوم، كنت اتمني ان تطول الجولة في القناة. في الطريق حرص الجميع علي تبادل الصور.. هذا يوم يحتاج إلي ألبوم خاص.. يوم انتصار، وفرحة. اكتملت فرحتي عندما علمت ان الطائرة التي كانت تحوم حول مجري القناة اثناء ابحارنا كانت تقل الرئيس السيسي متفقدا المشروع بعد الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من نسور الجو. يارب كتر أفراحنا.