كثير من الناس ما »بيحسبوهاش صح« أو قل »ما بيحسبوهاش خالص« فهم يسيرون في حياتهم بلا حسابات.. حساب المآلات والعواقب لما يأتونه.. يبدو لهم الشيء جميلا براقا، فلا يتأنون ولايتدبرون الأمر، بل يقدمون عليه ولايستثنون.. ثم عندما تأتي النتائج لما فعلوه، يفاجأون ويصدمون، بل »يولولون«.. مع أنهم لو كانوا »حسبوها صح« لما كانوا أقدموا عليها أصلا، ولصانوا انفسهم من عواقبها الكارثية.. أشياء كثيرة في حياة الناس هكذا.. لايقيمون الأمور بمآلاتها، فإذا حطت عليهم نتائج ما فعلوه، لطموا الخدود وشقوا الجيوب.. يحدث هذا في مجالات كثيرة، وليس في مجال واحد بذاته.. وسنذكر هنا كمثال واضح للعيان موضوع شركات توظيف الأموال.. وماهي بشركات.. إنما هم أفراد استغلوا سذاجة بعض الناس أو حسن ظنهم، وحاجتهم إلي إستثمار مدخراتهم التي شقوا العمر كله في »تحويشها« ويريدون من خلالها أن يحصلوا علي دخل مجز منتظم، يساعدهم علي تحمل أعباء الحياة المتزايدة، فأغروهم بالعائد الكبير الذي يتجاوز عوائد البنوك بكثير، ولو لم يكن العائد المتوهم كبيرا ما أغراهم بوضع أموالهم لديهم.. هكذا كانت القصة وما زالت للأسف الشديد.. حتي يومنا هذا تجد أناسا يعرضون علي الناس الطيبين.. البسطاء في تفكيرهم العائد المغري، فيهرعون إليهم باسطي أيديهم بما في حوزتهم من مدخرات، ولايردعهم ماحدث لغيرهم من ضياع أموالهم.. كيف؟! لا أدري..الناس قلما تتعظ!! والناس، ربما يكون لهم بعض العذر.. فالحاجة إلي دخل يفي بمتطلبات الحياة ملحة، ولذلك فهم يغمضون أعينهم عن المخاطر المحتملة إزاء المكاسب المغرية التي يلوح بها هؤلاء النصابين.. يحدث هذا في مجتمعاتنا، كما يحدث في مجتمعات اكثر منا تقدما.. حدث في أمريكا »بجلالة قدرها« »!« وليس ببعيد قصة المحتال.. الملياردير الأمريكي برنارد مادوف الذي نصب علي أفراد كما نصب علي مؤسسات بل حتي بنوك »!« واستثمروا أموالا طائلة لديه بلغت 56مليار دولار أمريكي.. »والمليار ألف مليون«! هذا الملياردير كان موضع ثقة لاحد لها في سوق المال »وول ستريت« بنيويورك وفي يوم من الأيام أسر لأولاده أن مؤسسته المالية ذائعة الصيت في سوق المال، ليست إلا »كذبة كبري« واطلعهم علي كيف تمكن من ذلك، فما كان من أولاده، إلا أن أبلغوا إدارة المباحث الفيدرالية بما سمعوه من والدهم، فلم تتوان الإدارة عن القبض عليه في اليوم التالي، وكان ذلك يوم 01 ديسمبر 8002، واخضعوه للتحقيق الذي أسفر عن تقديمه للمحاكمة، والتي حكم عليه فيها بالسجن 051 عاما »!« ومصادرة أمواله الثابتة والمنقولة والسائلة.. هذه كانت نهاية الملياردير برنارد مادوف،والذي كان من ضحاياه نجوم في المجتمع الأمريكي ورجال إعلام، إلي جانب مؤسسات مالية وأحد البنوك المعروفة دوليا.. كل هؤلاء استهواهم العائد المرتفع لأموالهم »!«.. من واجب الناس أن » تحسبها صح« وألا يستسلموا للمغريات البراقة التي تغشي اعينهم، وتعمي بصائرهم، عما ينتظرهم من عواقب كارثية لما لم يحسبوا له حسابا، ليس في مجال المال وحده، وإنما في جميع المجالات..