الحادية عشرة ليلا، اكتشفت أولي ميزات التقاعد، ان اشرب الشاي عند منتصف الليل بدون الخشية من سهر.. الحادية عشرة ليلا اقف في المطبخ بعدان تناولت عشائي برتقالة بصرة لاغير . لا انام قبل الثانية صباحا. لكنني منذ سنين طويلة احدد الحادية عشرة للعشاء أو ما أوهم نفسي انه كذلك. وقع بصري علي الشاي، الاكياس المنتظمة في علبة من الورق المقوي، وعلي الشاي الفرط في زجاجة كانت في الاصل للمربي، لماذا لا اعد كوبا الآن؟ اكتشف في اول ليلة بعد التقاعد انه يمكن لي شرب كوب من الشاي الآن، لن اخشي السهر الذي سيؤدي إلي صعوبة النوم وبالتالي الاستيقاظ مرهقا. متعبا. الحق انني منذ تسعة واربعين عاما لم اعرف النوم الكافي إلا في بعض ايام الاجازات، حتي اعتاد جهازي العصبي علي ساعة معينة للاستيقاظ وبالتالي فقدت متعة النوم عددا كافيا من الساعات، منذ نصف قرن لم انم كفايتي، يرجع ذلك إلي الازدواجية التي حكمت مساري منذ تخرجي عام اثنين وستين من القرن الماضي وبدء حياتي العملية، ثم دخولي إلي الصحافة عام تسعة وستين، طوال هذه السنين اعتدت ان يكون النهار للمعاش، والليل للادب، لا استثني إلا ايام عملي كمراسل حربي خلال حربي الاستنزاف واكتوبر، كان وقتي كله مخصصا للعمل الصحفي. كان ذلك باختياري، واذا تيسر بعض الوقت للادب فمرحبا، اعني بالادب، القراءة والكتابة، منذ طفولتي اقرأ بنهم، احاول تخصيص اطول وقت ممكن. احاسب نفسي يوميا، وانزعج جدا اذا قصرت، وللقراءة عندي مستويات متعددة، القراءة الثقيلة وتلك في مكتبي، القراءة التي يصاحبها تدوين الملاحظات ومحاولة الفهم، ثم القراءة الاخف وتتم في الاغلب قبل النوم أو في ساعات الانتظار. اما القراءة السريعة فللصحف والمجلات، وبعض الروايات اثناء الانتقال في وسائل المواصلات أو في العربة، انني اعتبر القراءة في اهمية الكتابة، يمكنني التوقف عن الكتابة فترات، لكن الكف عن القراءة يوازي عندي العدم. ومما احمد الله عليه ان رغبتي في القراءة تتزايد مع التقدم في العمر ولا تقل، وقد اصبحت اكثر تحديدا ومعرفة بما اريد، ثمة نوع من الاطلاع اسميه قراءة التزحلق بالنظر، اي المرور السريع علي السطور وتلك تخص بعض ما ينشر في الصحف. احيانا اقاوم النوم لمزيد من القراءة، ولو ان الامر بيدي لأمضيت العمر كله في القراءة، انها المعادل عندي للوجود، ودربي إلي فهم اسراره، الان وقد اصبح وقتي كله ملكي سأتفرغ اكثر للمؤلفات الموسوعية الكبري. لكتب الفلسفة الاعمق، ما أتمناه ان تساعدني الحواس، اتأمل كوب الشاي. اكتشف اولي فضائل التقاعد ان اشرب الشاي في منتصف الليل غير قلق. مستقرا. الشاي وأصوله عرفت الشاي طفلا، انه الشيء الحلو الوحيد المتاح لجموع المصريين خاصة في الصعيد، حيث للشاي أصول، فثمة ثلاثة ادوار، الاول ثقيل مغلي، والثاني أخف، اما الثالث فيمكن رؤيته شفافا هادئا، توضع كمية من السكر في كل دور، ويكون انتظام الصحبة حول الشاي، حيث يجري تبادل الود ويتواصل الناس. الشاي بالحليب للصباح، الشاي السادة خلال النهار، في عز الشباب اعتدت شربه مرات، غير انني في الربع قرن الاخير اكتفي بمرة واحدة في الصباح، ومرة في الخامسة بعد الظهر وتلك عادة لم انقطع عنها، غير انني كنت احذر تجاوز الخامسة ظنا مني ان ذلك الكوب سيحول بيني وبين النوم، كان يومي موزعا كما ذكرت بين الصحافة نهارا والادب ليلا. هذه الثنائية استمرت معي منذ بدء سعيي في اوائل الستينيات. اعود إلي البيت عصرا، اتناول غدائي، اقرأ قليلا، اشرب كوب الخامسة اتمدد لأنام ساعة علي الاكثر، احاذر ان تطول المدة حتي لا اسهر اكثر من اللازم. نوم ما بعد الظهر يجعل اليوم الواحد يومين. عندما استيقظ بعد المغرب كأني ابدأ يوما جديدا. اجلس إلي الكتب، لسان العرب لابن منظور، وما يتصل ب ثم اقرأة لمدة ساعتين قبل ان ابدأ الكتابة، استمر حتي الحادية عشرة لأتناول عشائي، والان يمكنني شرب الاي في أي وقت ليلا بدون الخشية، من السهر . الإمام الأكبر الخميس : يمكن القول ان استعادة الازهر لمكانته قد بدأت مع تولي فضيلة الدكتور احمد الطيب. مدة قصيرة لكن يكفي سلوكه، وعلمه، وثاقب رؤيته، وخصاله الشخصية، زهده وعدم استجابته للامور الدنيوية، وتصديه الجريء للافكار المتطرفة التي ألحقت ابلغ الضرر بالاسلام والمسلمين، وكشفه للنصابين الافاقين المتاجرين بالدعوة والذين حولوها إلي تجارة وقنوات تليفزيون خاصة، حتي ان احدهم سطا علي اسم الازهر جهارا، نهارا. يضرب لنا المثل والطريق الصحيح للسلوك في الازمة الطائفية الاخيرة، ان مجمل المواقف التي اتخذها تجعلني اقول انه إلي جانب مكانته الدينية يمكن اعتباره قيادة وطنية رفيعة حريصة علي وحدة الامة، لقد تابعت حواراته، خاصة مع مني الشاذلي وفريدة الشوباشي، ولكم اتمني اعادتهما من خلال القنوات المختلفة، لكي يري اوسع قدر من الناس مسلمين وغير مسلمين كيف يكون التعبير عن قضايا الامة. اما حواراته الاخري، خاصة تلك التي تبثها قناة النيل للاخبار فكنت انتظرها لأتعلم منه. إلي جانب مواقفه المعلنة فإن عملية الاصلاح التي يقوم بها في التعليم الازهري من اصعب الجهود التي يمكن ان تتم، وآمل نجاحها. اذ ستأتي نتائجها بما يؤكد الدور التاريخي للأزهر علي المستوي الثقافي والديني، ان مهمة الامام الاكبر ليست سهلة، فقد بدأت بعض القوي والاتجاهات، بل والدول التي تساند المذاهب المتطرفة في الهجوم عليه، وصل الامر إلي استئجار بعض الاقلام للهجوم ضده في الصحافة المصرية، اما الموقف الاخير الذي اتخذه الازهر من الفاتيكان الذي يمر الان بمرحلة من سماتها التعصب نتيجة مواقف البابا الحالي الذي دأب علي الهجوم علي الاسلام، والمساس بصميم العقيدة، وما ندعو اليه باستمرار ضرورة احترام اصحاب العقائد للآخرين، ألا يخوضوا في عقائدهم ليس مطلوبا ان يكون المسيحي مسلما أو العكس. المطلوب هو التعايش، ان يؤمن كل انسان بدينه وألا يخوض في دين الاخر. ان الطرق إلي الله بعدد الانفاس، بدأ الامام الاكبر الاهتمام بالدور الثقافي عندما اختار الدكتور ايمن فؤاد سيد مسئولا عن مركز المخطوطات، المهم ان تحقق وان تخرج إلي الناس، هكذا يستعيد الازهر دوره ويمارس تأثيره علي مستويات مختلفة، لقد جاء فضيلة الدكتور احمد الطيب في الوقت المناسب تماما وهو الازهري الصميم لإنقاذ الازهر. من ديوان الشعر العربي كالنجم إن سافرت كان مواكبا وإذا حططت الرّحال كان جليساً »أبوتمام«