عجبي ان يبحث رئيس الحكومة ابراهيم محلب عن الضمير وكأنه خواجة قادم من بلاد برة لا يعرف شيئا عن اصحاب الضمائر الميتة.. مع أنه معجون بتراب مصر وشب علي أرضها وشرب من نيلها وعاش في شوارعها وله بصمات محفورة في مشاريعها وكباريها.. لذلك تعجبت ان تحدث له صدمة بعد زيارته المفاجئة في معهد القلب بامبابة وفي معهد تيودور للفيروسات الكبدية بسبب الضمير.. سيادته كان فاهم الناس كوبي منه عندهم ضمير وانتماء لمصر.. أنا أري أن رجلا بأخلاقيات ابراهيم محلب مظلوم مع الاجهزة التي يتعامل معها.. فهو ينفخ في قربة مقطوعة ويعامل الناس بأخلاقياته لكن اخلاقيات بعضهم زفت.. المناظر التي رآها مزقت قلبه ولم يتمالك أعصابه خلال هذه الزيارة.. - طبعا شئ يوجع القلب في معهد القلب وخاصة لما تشوف الغلابة تائهين بين ردهات المستشفي لم يسال فيهم أحد.. ولأن ابراهيم محلب ابن بلد فقد قرر أن يفاجئ المعهدين بدون زفة أمنية ولا وسع ياجدع.. ولا تعظيم سلام للباشا.. قرر الرجل أن تكون زيارته في سرية تامة حتي مستشاره الصحفي الذي كتب ما نشر في الصحف عن هذه الزيارة لم يكن يعلم باتجاه رئيس الحكومة وماذا يدور في رأسه فقد كان مطلوبا من هاني يونس مستشاره الإعلامي أن تسير سيارته خلف سيارة رئيس الحكومة ومش مهم يعرف هو رايح فين وكداب اللي يقول ان كان مرافقا المهندس محلب غير هاني يونس.. لقد كان مندوبو الصحف في مجلس الوزراء في بيوتهم وقت زيارة رئيس الحكومة المفاجئة وقد كان مقصودا بهذا التمويه حتي لا تفقد الزيارة غرضها.. - الذي يدقق في وجه ابراهيم محلب يري الحزن وحالة الغضب التي كان عليها وقت زيارته لهذين المعهدين لقد كانت صدمته فيهما قوية وخاصة بعد أن اكتشف صدق المعلومات التي كانت تحت يديه والتي كانت تفضحهما، مع انه كان يأمل ان تكون مجرد معلومات لتشويه صورة عمل ناجح لكن للأسف زيارته كشفت عن بلاوي.. أطفال وأمهات.. عجزة وشيوخ لا يجدون العلاج، مستشفي القلب بلا قلب.. الاداريون فيه قبضايات علي المرضي.. وما كان من الرجل إلا أن يكتم غيظه داخله فلم يعلق علي المشاهد التي رآها.. بل كتم وراح يقول للأطباء: «الغلابة دفعوا مصاريف تعليمكم.. طيب اهتموا بيهم قبل ما تهتموا بعياداتكم الخاصة».. - كلام في العظم لكن تقول لمين.. انا شخصيا لا أتصور كيف وضع هذا الرجل اعصابه داخل ثلاجة وهو يري الإهمال بالمرضي.. صحيح انه أعلنها صراحة « الكل هايتحاسب.. « يعني مافيش خيار وفاقوس.. المدير زي الغفير والطبيب والممرضة منظومة واحدة في العلاج.. ورغم ارتفاع الأدوار داخل المباني فقد كان يصعد السلالم لشيء في نفسه وكأن لديه معلومات عن استخدام الممرضات للطرقات في تخزين وعرض بعض المنتجات لبيعها في مدخل الدور فاستغرب قائلا « ما شاء الله احنا في سوق عكاظ وإلا إيه.. « وبمجرد أن رآه المرضي يتجول في المستشفي تجمعوا حوله، كانوا في ذهول ان يجدوا رئيس الحكومة واقفا بينهم.. وتتعدد الأصوات كل صوت يحاول ان يعرض مشكلته ولم يتضرر رئيس الحكومة بل كان يسلم أذنه لهم.. ويحاول احد الإداريين ان يسكت الأصوات العالية للمرضي فنهره رئيس الحكومة وأبعده ثم وجه كلامه للمرضي طالبا منهم ان يكملوا شكاويهم فقد كان واضحا ان الرجل في حالة غيظ من مناظر الفساد والإهمال التي رآها لذلك كانت مواقفه واضحة لإحساسه بأوجاع الغلابة المرضي البسطاء الذين يفترشون الارض.. - علي أي حال.. نحمد الله ان عندنا رئيس حكومة عنده حس بالغلابة والمقهورين.. وربما اقترابه من عمال البناء والتشييد بحكم ارتباطه بهم ايام ماكان مسئولا عن المقاولين العرب كان هذا الاقتراب سببا في صداقته للضعفاء فقد كان يعرف معظم العمال بالاسم ويعرف أبناءهم وكثيراً ماكان يسأل عنهم.. لذلك كانت اهتماماته بمستشفي المقاولين العرب فكان يتعاقد مع الأطباء والخبراء لان العلاج عنده كان يمثل بالنسبة له شهادة ميلاد جديدة لكل مريض.. من هنا تفاعل ابراهيم محلب مع مرضي القلب ومرضي الفيروسات الكبدية ولمعت الدموع في عيونه حزنا علي أوضاعهم.. صحيح ان زيارته صحصحت وزير الصحة الذي أعلن انه سينقل مكتبه مابين المعهدين.. لكن ماذا يستطيع ان يفعله والضمائر غائبة.. لن يجد من يستجيب له لا من الأطباء ولا من هيئة التمريض لان المعاهد تعاني نقصا في الأجهزة والأدوية وكون ان رئيس الحكومة لمس المشكلة علي الطبيعة إذن مطلوب منه ان يكلف وزير المالية بدراسة عاجلة لاحتياجات هذين المعهدين علي وجه السرعة.. وهنا يأتي سؤال لو إفترضنا أن رئيس الحكومة قام بتوفير العلاج هل يستطيع توفير الضمير داخل هذه المستشفيات.. اعتقد ان المشكلة ليست في معهد القلب وحده بل في كل مستشفيات الدولة الضمائر غائبة لأننا لا نحس بالمرض ولا بأوجاع الغلابة.. ولن تحل مشكلة الضمائر الغائبة الا بخروج أبله حكمت من قبرها..