يا أملا تَبَسَّما.. يا زَهَرا تَبَرْعما.. يا رشفة علي ظما يا طائرا مغرداً مٌرَنِّما... ما حط حتي جوّ ما « عبدالصبور»
باريس.. والشعر العربي باكتب لكم النهاردة من باريس، بلد الجن والملائكة زي ما كان بيسميها عمنا الكبير الدكتور طه حسين، وده مش بس عميد الأدب العربي زي ما سماه ولاد زمانه، ده عميد أبناء رفاعة رواد الحداثة في الثقافة العربية، وأنا عمري ما فهمت ازاي نساوي بين طه حسين وبين العقاد، برغم يقيني إن الاثنين كبار، والاثنين عباقرة، إلا أن كل واحد منهم ينتمي لزمن عقلي مختلف، فطه حسين بيعمِل مناهج البحث العلمي في علوم النقل، بينما العقاد بيتأمل في علوم النقل، يمكن يختلف مع جزئية، أو ينتقد أو يشكك في جزئية، ومن المؤكد أنه عقلية جبارة، لكنه كان بيفتقد المنهج العقلي الصارم اللي ميز أعمال طه حسين، ويمكن ده يفسر لنا إزاي العقاد ابتدأ ثوري، وانتهي محافظ !! وإزاي طه حسين ابتدأ ثوري واستمر ثوري، وزي ما قال عن نفسه في مطلع الخمسينيات : «أتياسر ما استطعت». وأنا في باريس للتحكيم في مسابقة للشعر بيقيمها المكتب الثقافي المصري بباريس، والمكتب ده بتديره شعلة نشاط ووطنية هي الدكتورة أمل الصبان، ودي ست زي ما بنقول في مصر - بميت راجل، معرفتها بالثقافة العربية والفرنسية عميقة وشاملة، وعلاقاتها بالأوساط الثقافية الفرنسية وبالجاليات العربية بباريس وببلدية باريس وعمودياتها المختلفة واسعة ومتينة ، وقدرت خلال فترة إدارتها للمكتب الثقافي المصري انها تجعله مركز اشعاع ثقافي، يجذب العرب المقيمين في فرنسا ، مشارقه ومغاربه، ويجذب كثير من المثقفين الفرنسيين من المولعين بالثقافة العربية، وهي اليومين دول كانت بتحاول إعادة الروح للمركز الثقافي المصري بباريس، بعدما اتقفل لأسباب أمنية من حوالي سنتين، بس للأسف يبدو أن بعض التعالب الصغيرة اللي في أروقة البيروقراطية، الحكومية بتزرع الشوك في طريقها، وبتعوق محاولاتها للاصلاح، لأ.. وبتوجه لها اللوم لأنها بتحاول تصلح المعووج والمعطوب من الزمن اللي فات! وما علينا من ده كله، المسابقة الشعرية السنة دي كانت مفاجأة سعيدة بالنسبة لي، فأنا شاركت في تحكيمها السنة اللي فاتت، والسنة دي كنت مقرر لجنة التحكيم اللي بيشارك في عضويتها الدكتور صبحي البستاني والدكتور أسامة خليل والشاعرة ريم السيد، كنا مسئولين عن تحكيم الشعر المكتوب بالعربي، وكان فيه لجنة تانية لتحكيم الشعر المكتوب بالفرنساوي، والمفاجأة السعيدة بالنسبة لي كانت الطفرة في مستوي المتقدمين للمسابقة، سواء في قصيدة النثر أو في قصيدة التفعيلة أو حتي في القصيد العمودي، وأنا من حوالي تلاتين سنة باشارك في تحكيم العديد من المسابقات الشعرية في مصر، وما فاتش عليا في المسابقات دي شعراء كتير في مستوي المتقدمين لمسابقتنا دي، والشيء المدهش أن كتير منهم من المصريين المقيمين ببعض البلدان العربية، وسألت نفسي ليه الشباب دول ما بيتقدموش للمسابقات اللي بنجريها في مصر؟ ورديت في عقلي بالي : أكيد ده بيعكس إن للمركز الثقافي المصري في باريس مصداقية عند الشبان أكتر بكتير من الجهات الرسمية أو الاهلية اللي بتعمل المسابقات الشعرية في مصر!! كان في المسابقة جايزة لأحسن مجموعة شعرية، ودي فاز بها الشاعر المصري حمزة قناوي رمضان من مواليد 23 يناير 1977، وكان فيها جايزة أولي لأحسن قصيدة الشاعرة المصرية آلاء علي حنين، من مواليد 25 فبراير 1998، من الزقازيق وتقيم حاليا بالقسيم بالسعودية، وفاز بالجائزة الثانية عن القصيدة الشاعر المصري نزار عبدالعزيز شهاب الدين، من مواليد 2/9/1976 المقيم حاليا بالرياض. النهاردة ح اقدم لكم قصيدة للشاعر الفائز بجائزة المجموعة الشعرية وقت لأسئلة الشريد للشاعر حمزة قناوي رمضان هذا مكانك يا مسافر فاقترب قالت لي الحورية البيضاء.. .. وانفلتت مغادرة.. .. إلي التبة البعيد.. .. ولم تعد! ونظرت حولي فالتقيتُ.. علي المدي سهلاً.. ربيعي الورود تشقه الانهار.. ترقص فوق زرقتها فراشات.. ..تلوح وتبتعد شمسا تعانق جدولاً.. تلقي له بسماتها بين السحاب.. وساحة حط الحمام بها.. أعزوفة بيضاء في لحن وحيد منفرد ونظرت حولي «لا أحد» لم ألق إنسانا هنا.. .. في هذه الأرض/ النعيم بحثت في أركان مخملها.. .. وفي ساحاتها الخضراء والبيضاء.. لكن لم أجد! أهو النعيم؟ العالم البعدي قد أدخلته؟ أم أنني أهذي، وأن الحلم غرر بي.. وأن مآل ما حولي اذا أصحو البدد؟! وإذا الوجوه.. وجوه أهلي والأحبة.. .. شردت بعذابها.. في تيه ذاكرة.. تحاصرها الجنات.. في النعيم إذا تأجج في مدي النسيان.. .. حزن الغائبين المتقد؟ - «هل انت تشرد يا غريب؟» رمت حورية الملكوت لي الكلمات.. - «أين أنا؟» «توارت في ابتسامتها الظلال ولم ترد!» - أأنا أحلق في النعيم؟.. .. أم أنني في برزخ.. فصلت غيوم سمائه بين الحقيقة والزبد؟ أهو الخلود؟ «ترددت أصداء حيرتي »الشفيفة.. في سؤال بعثرته الريح منتثرا.. .. علي أقدام ضحكتها المراوغة الحنون لعله إذن الأبد! - لا تجرح الملكوت بالكلمات .. حائرة كأسئلة المسافران شرد - فلعله الوقت المشرد في ظلال غيابه .. أو عله زمن عبرت ببابه .. وخلعت أردية الجسد - أتعبتني! - ولعله! «صمتت وراحت تنثني نحو الغياب كما يسافر في المدي لحن شريد راحل» - أو قد يكون الحلم.. .. لا أدري.. لتهدأ يا غريب! - وقد يكون الموت.. - قد! ساحة اللوفر 1 يوليو 2006 - التاسعة مساء الساحر ناجي شاكر زي ما يكون تليفوني زغرد، ونورت شاشته باسمه لما طلبني، ورديت وبعد السلامات والاشواق سألني : «ح تعمل إيه يوم 20؟» ورديت بسؤال: «ليه؟ خير إن شاء الله؟» . قال : «افتتاح معرض لأعمالي في كلية الفنون الجميلة»، قلت وأنا باتقطع: «يا خسارة.. دنا طالع باريس يوم عشرين»، وببعض الأمل سألته: «طب والمعرض مستمر ليوم ايه؟!» ، ورد: «لغاية يوم 28» ، وقلت وأنا باتقطع أكتر : «دنا حاجز عودة يوم 29»، وفكرت ألغي السفر ولا أقدم ميعاد العودة يومين، ما هو ما ينفعش ناجي شاكر يعمل معرض لأعماله - بعد انقطاع طويل من إقامة المعارض - وأنا ما أشوفهوش، وزي ما يكون قرا اللي ف بالي وصعب عليه حالي، وقال بصوته اللي بتفوح منه روايح الطيبة والمحبة : «خلاص يبقي تيجي تشوفه ليلة الافتتاح، وح تكون الاعمال كلها تم وضعها ف مكانها»، وحمدت ربنا، ورحت المعرض ليلة افتتاحه. وأنا عرفت الفنان الساحر ناجي شاكر في النص الاولاني من ستينيات القرن اللي فات، عرفني عليه أستاذي وأستاذ جيلي من شعراء العامية المصرية العبقري صلاح چاهين ، وعرفني معاه علي الفنان والمفكر المستقبلي الكبير الاستاذ راجي عنايت، زي ما عرفني قبل كده وبعد كده علي الفنان الكبير آدم حنين «صمويل هنري آنذاك» ، وعلي الفنانين العظام الراحلين : أحمد حجازي وبهجت عثمان «بها جيجو»، كان راجي عنايت أيامها بيأسس مسرح القاهرة للعرايس، وكان ناجي أهم معاونيه في تأسيس المسرح وتصميم عرائسه، وكانت كل الجوايز العالمية في مهرجانات العرايس لمسرح القاهرة عن أعمال الفنان ناجي وتصميماته ، وفي سنة 1965 نال جائزة خاصة من مهرجان عالمي، عن مسرحية «مدينة الأحلام» لابتكاره نوع غير مسبوق في فن العرائس، وبعدها لعب أولاد الحلال في مسرح العرايس لعبتهم، وقدروا يطفشوا ناجي من المسرح، واتفرغ للتدريس في كلية الفنون الجميلة، وعلي أواخر الستينيات طلع بعثة لايطاليا، درس فيها فن السينما وقدم في تخرجه فيلم رائع «للأسف ضاع اسمه من ذاكرتي العجوزة»، وأثناء بعثته وإقامته في الاكاديمية المصرية بروما، كنت أنا عايش في سويسرا وبانزل باريس كتير لزيارتها ولقاء المترجم والناقد الراحل الجميل وحيد النقاش أو لقاء الفنانين الاصدقاء جورج البهجوري «أطال الله عمره» والراحل ايهاب شاكر شقيق ناجي، اللي كانوا أيامها مقيمين في باريس، وأيامها رحت لناجي روما مرة وشفت معاه ومع الراحل المخرج أنور رستم روما التاريخ والفن والحضارة، وأيامها برضة اتقابلت مع ناجي والاصدقاء في باريس وشفنا مسرحية «Hair» اللي كانت أيقونة مسرح الشباب الثوري آنذاك، وشفنا كمان مسرحية «1789» لمسرح الشمس اللي غيرت وجه المسرح الفرنسي بعد العبقري «جان فيلاد» ، وأنا حكيت لكم عن المسرحية في مرة سابقة ، دمرة واحنا ماشيين علي مكتبات ضفاف السين أنا وناجي وإيهاب، لقينا إيهاب بيفتح صفحات كتاب عن فن العرائس في العالم، وفوجئنا بصور فوتوغرافية لعرائس مسرحية حمار شهاب الدين اللي صممها ناجي مالية عدد من الصفحات مع تعليقات نقدية بتشيد بتصميماتها. كل التاريخ الجميل ده كان جوايا وأنا باتفرج علي معرض ناجي في الفنون الجميلة ليلة سفري وافتتاح المعرض، وأذهلني المعرض بكل ما فيه، فناجي اللي كان من يومه شخصية فنية متمردة ومتفردة ومتجددة، مازال وهو في الثمانينات من عمره «المديد إن شاء الله»، مازال يحتفظ بروحه المتمردة خلف وجهه الملتحي المبتسم بطيبة، ومازال متفرد في تناوله للفنون التشكيلية ، ومازال متجدد في وسائله وأساليبه ، ومازال بيفتح قدامنا آفاق جديدة، المعرض كله لعب بالاضاءة علي أشكال تتحرك أمام مرايا، شيء مالوش زي في فنوننا التشكيلية ، ربما ينتمي لل Dynamic art الذي عرفته الدنيا في القرن العشرين، لكنه يحمل بصمة ناجي شاكر الخاصة، ودي حكاية شرحها يطول، وتستاهل نتكلم عنها في مرة جاية.