داخل أروقة مؤتمر القمة العربية الذي حضرت جلساته في شرم الشيخ في مطلع الأسبوع لم يكن هناك حديث إلا عن موضوع واحد هو أن يكون للعرب درع وسيف. درع تحميها من أطماع الطامعين.. وسيف ترد به علي هجمات المعتدين. هذا هو الحلم الجميل الذي حلمنا به منذ بدء حركات التحرر من الاستعمار.. الذي تواكب مع إنشاء الدولة الصهيونية. أحست الدول العربية وقتها بالمهانة والانكسار بسبب اقتطاع جزء غال منها لإنشاء دولة مغتصبة لأرض شعب عربي كريم. وبعد نكبة 1948 ونكسة 1967 وبعد ما كنا لا نسمع عن الوحدة العربية وجيش العرب إلا في الأغاني، استطاع قادة وزعماء عرب عظام أن يوحدوا الجهود وأن يوحدوا الهدف ليتحقق انتصار السادس من أكتوبر. الجندي المصري البطل اشترك مع أشقائه العرب في صنع ملحمة عسكرية رائعة تكللت بالنصر العظيم. وحتي من لم يشارك في ساحات القتال شارك في إدارة معركة سياسية واقتصادية جعلت العالم كله يقتنع بعدالة القضية وينصت لنا بعدما انبهر بما قدمناه في ساحة القتال وخارجها. جيش العرب مازال حلما.. حتي وإن تغيرت الأوضاع في العالم وفي المنطقة يبقي هو الحلم. واليوم وبعدما ازداد الطامعون وتكاثر العابثون، يطل علينا عدو آخر ولا نقول عدوا جديدا لأن عدونا التقليدي يبقي وسيبقي إلي الأبد. العدو الآخر الذي أطل علينا بوجهه القبيح هو الإرهاب. شكل جديد من التنظيمات تدعي الشرعية أحيانا وتدعي السلام أغلب الأحيان وترتدي رداء الشر في كل حين.. الدماء عندهم رخيصة والأرواح بلا ثمن والحضارة والتاريخ والعلم والفن والحياة كلها بلا قيمة ولا مكان لها عندهم. الإرهاب تحول إلي وحش حقيقي قادر علي أن يلتهم المنطقة.. وخطر داهم يمكن ان يبتلعها. خاصة بعد حالة الانفلات العام الذي أصاب المنطقة فيما سمي بالربيع العربي الذي تحول في الحقيقة إلي الكابوس العربي. حوادث الإرهاب تغطي كل بقعة في بلادنا والبلدان العربية.. أياد خارجية دولية وإقليمية تعبث وتمول وتخطط وتسلح.. دول انقسمت، ودول انقصمت، ودول كادت تتلاشي أو هي في سبيلها إلي ذلك. هل هناك خطر أبشع من هذا؟. ومن هنا كانت دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة، في محاولة لخلق أدوات جديدة للعمل العربي العسكري المشترك للتغلب علي التحديات التي تواجه أمن الدول العربية. بعد القضية الفلسطينية التي هي أم الهموم العربية، هنا أربع دول تغلي.. وشعوبها تسحق وتقتل وتهان.. العراق وسوريا وليبيا واليمن.. أربع دول عزيزة وغالية.. نبكي علي ما يجري فيها.. وليت ما يجري هو بداخلها وحدها ولكن جيرانها يكتوون بما يجري.. ويحترقون مما يدور. لذلك لم يكن ما قامت به طليعة من تحالف عربي عسكري في اليمن مفاجأة لأحد.. ومن قبله ما قامت به قواتنا المسلحة ونسور مصر البواسل ضد دواعش الإرهاب في ليبيا. كلف البيان الختامي للقمة العربية الأمين العام لجامعة الدول العربية د.نبيل العربي بالتنسيق مع رئاسة القمة «مصر» بدعوة رؤساء أركان القوات المسلحة خلال (شهر) من صدور القرار لدراسة اقتراح كافة الإجراءات التنفيذية وآلية العمل والموازنة المطلوبة لإنشاء القوة المشتركة وتشكيلها، وعرض نتائج أعمالها خلال (ثلاثة شهور) في اجتماع خاص لمجلس الدفاع العربي المشترك. بعيدا عن آليات التشكيل.. فان آليات التنفيذ تواجه بلا شك أو ستواجه صعوبات عديدة. فهناك عدو خطير للأمة العربية هو الإرهاب ولكن هناك عدوا أخطر هو اسرائيل. كما المهام العسكرية التي يمكن أن تكون موكلة لهذه القوة تحتاج بطبيعة الحال إلي غطاء سياسي وقانوني عربي أولا ودولي ثانيا. وباستثناء ما قامت به مصر في ليبيا أو السعودية في اليمن باعتبار الجوار والحدود المشتركة والمخاطر المباشرة فإن قيام القوة بأي عملية في أي مكان لابد له من غطاء.. ونحن لا يخفي علينا اختلاف المواقف العربية والدولية حول ما يجري في دول عربية أخري يصل إلي حد التناقض. ومن الصعب أن تجتمع الدول العربية بقادتها وحكوماتها وبرلماناتها وشعوبها علي مهمة محددة بعيدا عن مهام الحدود المباشرة. أطمأننت عندما حدد الرئيس هدفه قائلا: إن فقط امتلاك القوة يحمي من الدخول في صراع مع العدو مما سيحمي كل دول العالم العربي وأن القوة العربية ليست فرضا علي أي دولة للمشاركة، كما أن هذه القوات لن تستحدث، بل ستقوم كل دولة بتخصيص مجموعة من قواتها الموجودة في جيوشها بالفعل لتكون تحت إمرة القوة العربية في حال الحاجة لها وستكون كل مجموعة موجودة ببلدها ويتم استدعاؤها عند الحاجة فقط. وأطمأننت أكثر عندما قال : إذا كان الجيش المصري غير وطني لكان لمصر شأن آخر لا يرضاه أحد، ولكن الجيش المصري وطني ويعمل لصالح الوطن وأمان المصريين وكل من يحب بلده يجب أن يعي هذا المفهوم.