مخاض شبه عسير ولدت بعده اتفاقية اعلان مبادئ سد النهضة الذي وقع عليه امس الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الاثيوبي هيلا ميريام ديسالين خلال القمة الثلاثية المصرية السودانية الاثيوبية التي استضافتها الخرطوم .. عكس الاتفاق حرص القادة الثلاثة علي حماية وصون مصالح شعوبهم في الحياة والتنمية.. «الاخبار» رصدت تسع نقاط رئيسية تمثل المكاسب الحقيقية للإعلان . اولا : المقارنة الدقيقة بين وضع مصر قبل التوقيع علي إعلان المبادئ وبعده، تٌشير إلي أن إعلان المبادئ قد جاء في توقيت مهم لإزالة حالة القلق والتوتر التي خيمت علي العلاقات المصرية الإثيوبية نتيجة الخلافات حول موضوع سد النهضة، وذلك من خلال توفير أرضية صلبة لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلي اتفاق كامل بين مصر وإثيوبيا والسودان حول أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي بعد انتهاء الدراسات المشتركة الجاري إعدادها. ثانيا : أن الاتفاق يتضمن عشرة مبادئ أساسية تحفظ في مجملها الحقوق والمصالح المائية المصرية، وتتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية. وتجدر الإشارة إلي أن الاتفاق قد تناول تلك المبادئ من منظور علاقتها بسد النهضة وتأثيراته المحتملة علي دولتي المصب، وليس من منظور تنظيم استخدامات مياه النيل التي تتناولها اتفاقيات دولية أخري قائمة ولم يتم المساس بها، حيث لم يتعرض الاتفاق من قريب أو بعيد لتلك الاتفاقيات او لاستخدامات مياه نهر النيل، حيث انه يقتصر فقط علي قواعد ملء وتشغيل السد. وتشمل تلك المبادئ: مبدأ التعاون، في التنمية والتكامل الاقتصادي، التعهد بعدم إحداث ضرر ذي شأن لأي دولة، الاستخدام المنصف والعادل للمياه، التعاون في عملية الملء الأول لخزان السد وتشغيله السنوي، مبدأ بناء الثقة، ومبدأ تبادل المعلومات والبيانات، ومبدأ أمان السد، ومبدأ احترام السيادة ووحدة أراضي الدولة، وأخيراً مبدأ الحل السلمي للنزاعات. ثالثا : الإيجابية الرئيسية التي يمنحها اتفاق المبادئ، هو أنه نجح في سد الثغرات التي كانت قائمة في المسار الفني، وأهمها التأكيد علي احترام إثيوبيا لنتائج الدراسات المزمع إتمامها، وتعهد الدول الثلاث بالتوصل إلي اتفاق حول قواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي في ضوء نتائج الدراسات، فضلاً عن إنشاء آلية تنسيقية دائمة من الدول الثلاث للتعاون في عملية تشغيل السدود بشكل يضمن عدم الإضرار بمصالح دول المصب. رابعا : يؤسس الاتفاق، ولأول مرة، لمرحلة جديدة من التعاون والتنسيق فيما يتعلق بتشغيل السدود في الدول الثلاث، وهي خطوة في غاية الأهمية وكان هناك احتياج لها علي مدار السنوات الماضية، وخلال السنوات القادمة نتيجة الخطط المستقبلية لإقامة السدود في كل من إثيوبيا والسودان. خامسا : إن الاتفاق يتضمن للمرة الأولي آلية لتسوية النزاعات بين مصر وإثيوبيا، من ضمنها التشاور والتفاوض والوساطة والتوفيق، وكلها أدوات نص عليها القانون الدولي لتسوية أية خلافات قد تطرأ حول تفسير أو تطبيق بعض نصوص الاتفاق. ويعكس القبول الإثيوبي لهذا المبدأ قدراً كبيراً من الثقة والشفافية في العلاقة مع مصر لم تكن موجودة من قبل، ونجاحاً حققته مصر في التقارب الحقيقي والعملي مع إثيوبيا. سادسا : من الأهمية أن نُشير أيضاً إلي مسار العلاقات الثنائية بين مصر وإثيوبيا، ومدي تأثره إيجاباً أو سلباً باتفاق إعلان المبادئ. فالمؤكد أنه منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي رئاسة مصر، فإن هناك توجهاً استراتيجياً مصرياً جديداً تجاه القارة الأفريقية، ولاسيما دول حوض النيل، وفي مقدمتها إثيوبيا. ومن هنا، فإن أي تحليل دقيق لتلك الخطوة، لا بد أن يري فيها عنصر الإيجابية الرئيسي المتمثل في ترسيخ قاعدة بناء الثقة بين البلدين علي أسس صلبة وقوية، وهو ما أكد عليه الرئيس في كثير من تصريحاته ولقاءاته مع المسئولين الإثيوبيين مؤخراً، حينما أشار إلي أهمية أن نترك للأجيال القادمة أرضاً صلبة من ميراث التعاون وبناء الثقة وتحقيق المنافع المشتركة، وألا يرثوا بذور القلق والشك من الأجيال السابقة. سابعا : تجارب التعاون بين الدول المشتركة في أحواض الأنهار الدولية علي مستوي العالم، قد أثبتت أن الأسلوب الوحيد لتحقيق المكاسب المشتركة وتجنب الإضرار بمصلحة أي طرف هو الحوار، والبناء التدريجي للثقة، والتفهم لاحتياجات دول المنبع ودول المصب، وترجمة كل ذلك في وثائق قانونية مُلزمة لا تترك مجالاً للتأويل أوالتنصل مما فيها من حقوق والتزامات. ثامنا : الجهد الواضح والكبير الذي قامت به الدولة المصرية ممثلة في اللجنة العليا لمياه النيل، في إعداد تلك الوثيقة والتفاوض عليها بتوجيه من الرئيس، يعكس أسلوباً جديداً تتعامل به الحكومة المصرية وأجهزتها المعنية مع القضايا ذات الأهمية الخاصة للأمن القومي، ورؤية شاملة تقوم علي الاستفادة من عناصر القوة المصرية، وتوزيع الأدوار، والتنسيق، والقيادة الحكيمة التي تنظر إلي الأمور بنظرة شاملة ومستقبلية. تاسعا : إعلان المبادئ يعتبر وثيقة توافقية تمثل حلاً وسطاً بين مواقف الأطراف الموقعة عليها، وليست بالضرورة تُحقق الأهداف الكاملة لأي طرف، إلا أنها – بلا شك- قد حققت مكاسب ما لكل طرف تجعله في وضع أفضل مما كان عليه قبل التوقيع علي الوثيقة. ولا شك، أن المكسب الرئيسي الذي تحقق، يتمثل في نجاح دول حوض النيل الشرقي الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) في وضع اللبنة الأولي لتعاون أكثر مؤسسية واستدامة يتعلق بمياه النيل الشرقي، ومن المنطقي أن يتبع تلك الخطوة انضمام الدولة الرابعة العضو في هذا الإطار وهي دولة جنوب السودان.