المبادرات الطيبة المتبادلة بين مصر والمملكة السعودية تعكس دائما عمق العلاقات التاريخية بين البلدين والتي تستهدف مصلحة الشعبين الشقيقين والروابط القوية التي تجمع بينهما في كل المجالات. قد يتعرض تطوير وتنظيم هذه العلاقات في ظروف معينة لبعض السلبيات التي يتم ازالتها بالنوايا الحسنة الصادقة حفاظا علي استمرار انطلاقاتها. كان طبيعيا ان تؤدي هذه المشاعر المسئولة في النهاية للعودة مرة اخري إلي روح الاخاء التي تعد نموذجا لاي علاقات بين دولتين شقيقتين. ان ما قد يحدث في جانب من المعاملات الكثيرة شيء طبيعي لا يخرج عما يمكن ان يقع بين افراد الاسرة الواحدة من امور قد تحتاج إلي مزيد من الفهم والمراجعة والمعالجة. في هذه الحالة يجب التحرك بمسئولية من الجانبين لصالح العلاقات المصيرية وبما يحقق الفائدة المتبادلة المرجوة للدولتين الشقيقتين بعيدا عن اي حساسيات. من الممكن وفي اطار علاقات الاخوة والثقة المتبادلة والرغبة في انماء التعاون علي جميع المستويات ان تأتي مبادرة تسوية اي موقف مهما كان بسيطا من جانب أي طرف دون تحديد ايمانا بالمصلحة المشتركة. المهم أن يأتي هذا التحرك عفويا ومعبرا عن جوهر العلاقة القائمة علي الحب والاحترام والاهتمام المتبادل بالحفاظ علي هذه المصلحة المشتركة التي تخدم في النهاية ابناء الشعبين. وتزداد هذه المسئولية اهمية عندما يتعلق الامر برفع المعاناة عن عباد الله من المسلمين الذين يتشوقون دوما لزيارة المملكة العربية السعودية حيث اقدس المزارات التي تدخل ضمن أداء فرائض اساسية في دينهم. تجسد هذا الواقع في توافق اجهزة الطيران المدني في كل من مصر والسعودية علي اعادة تسيير الرحلات الجوية بين مطار المدينةالمنورة وكل من مطارات القاهرةوالاسكندرية. جاءت هذه الخطوة لتدفع مئات الآلاف من المصريين طلاب اداء فريضة الحج وزيارات العمرة إلي تنفس الصعداء والشكر لله لما تمثله هذه العودة الميمونة من راحة روحية ونفسية وجسدية. ولا تقتصر اعادة تشغيل هذا الخط الجوي الاستراتيجي علي خدمة عباد الله المسلمين ولكنه يساهم وبشكل جوهري في تعظيم العلاقات الاخوية بين ابناء الشعبين وتدعيم الروابط بينهما خاصة علي المستوي الاقتصادي والانساني. وكما هو معروف فإن العلاقات بين اهل مصر واهل المدينة تتسم بطعم ومذاق خاص ممتد لمئات السنين. وبناء علي ذلك فان تسهيل الاتصال بينهما هو بكل المقاييس عمل مبارك لابد وان يحظي بكل الترحاب والتقدير. لا أحد يستطيع ان يخفي حجم معاناة ابناء الشعبين من توقف هذا الخط الجوي الذي يربط المدينة ومدن مصر خاصة في موسمي الحج والعمرة وان كان ذلك لم يؤثر علي عمق العلاقات والتلاقي بينهما. كان من نتيجة ذلك اضطرار الحاج أو المعتمر للعودة إلي جدة بعد زيارة المدينة- للسلام علي رسول الله عليه الصلاة والسلام- سواء برا أو جوا ليأخذ الطائرة إلي مطارات مصر. هذا يعني انه كان يتحمل- وبعيدا عن التكلفة المالية- علي صحته ووقته تلك الساعات الطويلة من السفر إلي جدة مرتين حتي يمكنه الوصول الي وجهته في مصر. كان يحدث هذا بينما رحلته بين المدينةوالقاهرة لا تستغرق سوي الساعة والربع ساعة. بالطبع فاننا نحمد الله ان هذه المعاناة لم تستمر سوي شهور قليلة انتهت بمبادرة حسن النوايا الاخوية للمسئولين في البلدين بالعمل علي اعفاء عباد الله وعلاقات الاخوة من هذه المعاناة. لقد تم الخروج من مأزق توقف خط المدينة مع مطارات مصر بصورة تتوافق وتنسجم تماما مع طبيعة العلاقات المميزة بين البلدين الشقيقين.. كانت البداية تقدم اجهزة الطيران السعودية في الشهر الماضي إلي سلطات الطيران المدني المصرية بطلب الموافقة علي تسيير رحلات جوية دائمة من المدينة بواقع خمس رحلات إلي القاهرة ورحلة واحدة الي الاسكندرية. وعندما عرض الامر علي الفريق احمد شفيق وزير الطيران المدني من جانب سلطة الطيران المدني المصرية وافق علي الفور تجاوبا وايمانا بقيمة العلاقات بين البلدين الشقيقين. تواصلا لهذه الروح الفياضة تقدمت اجهزة الطيران المدني المصرية- بعد تسيير هذه الرحلات السعودية- بطلب الموافقة علي قيام مصر للطيران بتسيير 7 رحلات منتظمة 4 منها من القاهرة إلي المدينة وثلاث رحلات من الاسكندرية حيث تمت الموافقة السعودية عليها فورا. وهكذا عادت الامور لما كانت عليه وتقرر بدء تسيير الرحلات المصرية من 22 يناير الحالي. هنيئا لابناء الشعبين المصري والسعودي هذا الايمان المشترك باستراتيجية التواصل والمصلحة المشتركة.