أيها السياسيون، أوقفوا تمثيلكم وتظاهركم، هذا هو صوت الناس الذين لا صوت لكم في كل مكان [الشاعر الياباني دايساكو إيكيدا (1928 -...)] كنا مجموعة أصحاب بنتناقش حولين التاريخ وتقلباته، والتقدم وأسبابه ومقوماته، والكلام شرّق وغرّب، لحد ما استقر الرأي في الآخر، إن حركة التاريخ هي نتيجة صراعات وتناقضات قوي المجتمع الحية في كل مرحلة من مراحله، والبطل التاريخي الحقيقي هو اللي بيقدر يقرا صح خريطة التناقضات والصراعات دي، يعني البطل ما بيعملش التاريخ، والتاريخ هوه اللي بيعمل أبطاله، ودور البطل الحقيقي انه يقرا الدنيا صح، وينحاز للمستقبل ويستعجل وصوله، ومجرد ما سمعت الكلام ده، لقيت صورة سعد زغلول بتملا بالي وخيالي، ماهو ابونا سعد باشا كان في أول شبابه من تلاميذ محمد عبده وثورة عرابي، ولما اتهزمت واتنفي زعماؤها، انضم لجمعية الانتقام اللي اتصدت للانجليز وزعمائهم، شويتين والدنيا خدته، وفتح مكتب محاماة مع ابراهيم الهلباوي وربنا فتحها عليهم، وبعد «دنشواي» اللي كان من قضاتها بطرس غالي وفتحي زغلول (شقيق سعد)، وكان محامي العساكر الانجليز فيها ابراهيم الهلباوي، نزلوا التلاتة ( بطرس وفتحي والهلباوي) في عيون المصريين، وكان سقوطهم مدويا، وعلا نجم سعد زغلول في صالونات الارستقراطية المصرية، واتجوز أمنا الست صفية، بنت مصطفي باشا فهمي (أول رئيس وزارة بعد الاحتلال)، واشتغل مع دنلوب في نظارة المعارف، وبقي واحد من الأعيان وعلية القوم، ووصل انه يبقي وكيل الجمعية التشريعية اللي هيه البرلمان، وراح بصفته دي مع علي شعراوي وعبد العزيز فهمي لدار المعتمد البريطاني يطالبون برفع الحماية البريطانية عن مصر بعد الحرب العالمية الأولي وإعلان ويلسون، ولما اتشكل الوفد المصري للتفاوض مع الانجليز في باريس، كان الوفد كله – تقريبا – من الأعيان وأصحاب المصالح الحقيقية (زي ما كانوا بيسموا نفسهم)، كان فيه محمد محمود باشا، واسماعيل صدقي، ولطفي السيد، وكلهم كانوا من أنصار : خد وطالب، يعني اقبل اللي بيعرضه عليك الانجليز، وابقي طالب بعد كده بأكتر منه، بس كان ورا سعد والوفد في مصر، راجل عظيم – اهمله التاريخ الرسمي – عبد الرحمن فهمي وده كان قائد الجهاز السري للوفد، وكان من أعضاء الجهاز السري ده ابن اخت عبد الرحمن فهمي : احمد ماهر، والنقراشي والعديد من الشبان الثوريين في الزمان ده، ولما جات «لجنة ملنر» اللي بعتها الانجليز لدراسة الأحوال في مصر، قاد الجهاز السري جملة شعبية اتغلغلت في أعماق الريف المصري، دعت الناس لمقاطعة لجنة ملنر، ما كانتش اللجنة تروح أي حتة وتسأل أي حد عن رأيه، إلا ويكون الرد: اسألوا سعد باشا، في الريف..في الصعيد..في مدن الأقاليم..في العاصمة كل الناس بتقول لهم : اسألوا سعد باشا، وبعض المؤرخين بيحكوا لنا عن قعدة ضمت أعضاء الوفد المصري في « كافيه دي لا بيه» في باريس، وكان أعضاء الوفد بيضغطوا علي سعد عشان يقبل اللي الانجليز عارضينه، بس سعد ساعتها كانت وصلت له رسالة من عبد الرحمن فهمي بتقول له ان المصريين قاطعوا لجنة ملنر، راح أبونا سعد باشا خابط ع الترابيزة بيده، وصرخ فيهم : نحن أقوياء، وزي ما يكون الراجل المسن الكبارة رجع له شبابه، وصحي ف قلبه الثوري القديم بتاع جمعية الانتقام، وبعد ما كان واحد من جملة الأعيان بقي زعيم الرعاع والدهماء وقائد ثورة 1919 وصاحب المقولة الخالدة: الحق فوق القوة، والأمة فوق الحكومة. ولما جمع الشعب المصري ( من الطبقة المتوسطة وما دونها) الأربعة وستين مليار جنيه في تمان أيام عشان المرحلة الأولي من مشروع القناة، قلت ف عقل بالي ياريت القيادة السياسية اللي الشعب أجمع علي اختيارها تستقبل الرسالة الشعبية صح، وتعرف ان الانتخابات والمليارات دي تفويض من الشعب عشان نكمل ثورتنا، وتدرك ان اللي شعبه وراه، ربه معاه، ومفيش قوة في الدنيا تقدر تقطع عليه طريق المستقبل. لذا لزم التوضيح لما طلع ابننا الشاعر اللامع أيمن بهجت قمر في برنامج الاستاذة مني الشاذلي، واتكلم عن طفولته وصباه، جاب سيرتي وسيرة الفنانة الرائعة شيريهان، من باب الوفاء والمحبة، لكن – ربما - بعض أصحاب النوايا السيئة فهموا من كلامه اللي انا مستحيل أشك في صدقه، حتي لو ما سمعتهوش بودني، ان انا كنت باستغل الموهبة الطالعة أو باستكتبه من الباطن لحسابي، ودي مسألة مرفوضة عند كل مين له ضمير صاحي، وأي حد عنده ذرة عقل مستحيل يتصورها، والمسألة ببساطة ان انا والكبير بهجت قمر كانت بتجمعنا صداقة عميقة وتقدير متبادل، وكنت واخد مكتب صغير في نفس العمارة اللي ساكن فيها، وساعات لما كان بهجت ينشغل في عمل يقول لأيمن انزل عند عمك سيد، وانا من بدري حسيت بالموهبة الواعدة للصبي أيمن، وشفت ان حقه عليا أساعده في صقل هذه الموهبة، وانه لازم يستكمل «عدة الكار» اللي هيه علم العروض والقوافي، وعشان كده لما كان ينزل عندي، كنت أحاول أشغله بكتاب يقراه، أو اختبار في الشعر أكافئه علي حله، وللحقيقة والتاريخ عمر المكافأة ما وصلت للأربعين جنيه اللي قال عليها أيمن، ده رقم كبير أوي ما كنتش أقدر عليه أيامها، بس علي كل حال متشكرين يا أيمن يا غالي يا ابن الغالي.