وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن. ستبقي عبارة قداسة البابا في مجال الحكمة الإنسانية والوطنية وتعبر عن وطنية الكنيسة المصرية التي تعتبر عنصرا أساسيا في تكوينها. وتعتبر نشأتها علي يدي مرقس الرسول موقفا وطنيا مصريا صميما يشرحه بدقة وبساطة الدكتور حسين فوزي في كتابه الرائع «سندباد مصري» الذي أنصح بقراءته لكل رئيس يتولي أمور مصر ليفهم ويتعرف علي الوطن الذي يدير أموره، ولكل راغب في التعرف علي تاريخ الوطن، تذكرني عبارة قداسة البابا تواضروس الحالي بعبارة صارت قولا مأثورا للبابا شنودة الراحل «مصر وطن يعيش فينا. لا وطن نعيش فيه»، خلال الحكم الاخواني العنصري جري اضطهاد الأقباط وحرق كنائسهم وقتل بعضهم كما جري في أحداث قرية دلجا بالمنيا، ليس الأقباط فقط إنما حتي المخالفون مذهبيا في إطار الإسلام نفسه كما جري في مذبحة أبو النمرس للشيعة المصريين. ما يجب التذكير به إعلاء الأقباط لقيمة الوطنية المصرية علي ما لحقهم من اضطهاد وعسف سواء من الاخوان أو الدواعش المصريين، لم يتاجروا - ولا حتي بعضهم - بما جري لهم في العالم. خاصة في الغرب، أثبتوا انتماءهم إلي المضمون الحضاري العميق لمصر وهم أحد مكوناته الأساسية، وأنني لأشهد علي أمور عاينتها بنفسي، خلال زيارتي للولايات المتحدة بعد الثلاثين من يونيو.. كنت شاهدا علي تحرك المصريين الأقباط، خاصة في شيكاجو أو كليفلاندأو نيويورك وسان فرنسيسكو علي موقف عام للأقباط المصريين ينطلق من مساندة الدولة الوطنية المصرية، رأيت أسرا كاملة بأطفالها تتجه إلي مكاتب تشبه الشهر العقاري عندنا لتسجيل موقفهم مما يجري في مصر. وأن ما جري ثورة حقيقية في يونيو وليس انقلابا كما كانت تروج وسائل الإعلام الغربية عامة والأمريكية خاصة وذلك كانعكاس لموقف الإدارة الأمريكية الخاطئ، وعندما سافر الرئيس السيسي إلي نيويورك جاء المصريون جميعا ليشكلوا أكبر مظاهرة تأييد لرئيس وقفت أمام الأممالمتحدة في تاريخها، انني شديد الحساسية عند الاشارة إلي ديانة معينة، لكن احقاقا للحق كان كثيرون قد جاءوا من ولايات بعيدة إلي المظاهرة من الأقباط، هنا أشير إلي الدور الوطني - وليس الديني فقط - للكنيسةالقبطية في الحفاظ علي الهوية المصرية للأجيال المتعاقبة للمهاجرين المصريين، بعد قداس الأحديقام في كل كنيسة ما يشبه السوق في قرانا. تعرض فيه المنتجات المصرية، ويتعارف القوم علي بعضهم البعض. الكل يعمل متطوعا لوجه الله والوطن. لن أنسي أبدا يوم أن ذهبت إلي كنيسة كليفلاندعام ست وتسعين لأتعرف علي أعظم طبيب تخدير في العالم الدكتور فوزي اسطفانوس والدكتور صبري عوض الله بعد أن أوصاهما المناضل الكبير رفعت السعيد بي. فوجئت بالأب ميخائيل راعي الكنيسة يقيم صلاة من أجل شفائي، لحظة مؤثرة في مساري لن أنساها قط. والليلة سأشارك عبر المتابعة في احتفال الكاتدرائية بعيد الميلاد المجيد ولو أن ظروفي تسمح لكنت أول الساعين، هذا عيد وطني وليس دينيا فقط للمصريين كافة.