الموقف الذي أريده واضحا لا لبس فيه ممن يوظفون الدين ليلا ونهارًا لتحقيق مصالحهم الانتخابية، إن كانوا أهل دعوة أن يتفرغوا لدعوتهم، وإن كانوا أهل سياسة أن يتفرغوا لسياستهم، أما خلط الأوراق فهو عين ما فعله الإخوان لعل مجلس الشعب القادم أهم مجلس في تاريخ مصر النيابي، ذلك أنه يأتي بعد ثورتين عظيمتين، الأولي 25 يناير 2011 م، والأخري 30 يونيو 2013 م، كما أنه يأتي متزامنًا مع نهضة ثقافية وارتفاع مستوي الوعي السياسي وحراك شبابي كبير، فلم يعد الشعب هو هو، ولا الناخب هو هو، ولا التحديات هي هي، كما أنه يأتي في ظل تحديات ومخاطر كبيرة من الداخل والخارج، سواء فيما حولنا وما يجري في محيطنا وبخاصة في ليبيا، وسوريا، والعراق، وما يجري علي حدودنا في غزة، وما يحاك لمنطقتنا كلها من مؤامرات ومخططات تستهدف وجودها وكيانها ونفطها وخيراتها وموقعها الجغرافي، أم تلك المخاطر التي نواجهها في الداخل من دعاة الهدم والتخريب من الإخوان والجبهة السلفية وسائر الجماعات التي تتخذ من التكفير وسيلة للقتل واستحلال الدماء والأعراض والأموال والاعتداء الغاشم الآثم الممنهج علي قواتنا المسلحة الباسلة التي تدافع عن الوطن والدين والأرض والعرض، وقوات الشرطة الساهرة علي أمن الوطن واستقراره، وهؤلاء وأولئك من أبناء الجيش والشرطة هم أبناؤنا جميعا، فهذا ابني أو أخي، أو ابنك أو ابن أخيك أو ابن أختك، أو ابن عم لك أو خال، فكيف نسمح ونرضي للإرهابيين الخونة العملاء المأجورين أن يستهدفوا أبناءنا وإخوتنا وأبناء عمومتنا أوأبناء أخوالنا ؟ ثم كيف نسمح لهم أن يستهدفوا مقدراتنا وخيراتنا ومقومات حياتنا، ومجتمعنا وبناه التحتية من ماء وكهرباء واتصالات وطرق تُقطع أو تُدمّر بما لا يقرّه دين ولا خلق ولا وطن ولا إنسانية لا في شرعة الأديان ولا أعراف الإنسانية السوية، ولا حتي شريعة الغاب والحيوان ؟ وإذا كنا قد عانينا مما يعرف بتيار وحركات الإسلام السياسي أشد المعاناة في الحقبة الماضية أيام تجربة الإخوان المُرّة بما جرت علينا وعلي المنطقة كلها من ويلات شديدة، فإننا يجب أن نعمل علي ألا تتكرر قضية المتاجرة بالدين واللعب بعواطف العامة، لأن مصر والمنطقة كلها لم تعد تحتمل تكرار هذه التجربة المُرّة التي عانينا فيها من أصحاب غزوة الصناديق، ومحاصرة المحكمة الدستورية، والإعلان الدستوري الذي كاد يقول فيه الرئيس المعزول: أنا ربكم الأعلي، وما أريكم إلا ما أري، وما أهديهم إلا سبيل الرشاد، أو أن يجعل من نفسه نصف إله، وشهد المجتمع المصري في عهده « عهد الأهل والعشيرة» إقصاء لم يشهده في تاريخه، كما شهد تقسيم الوطن علي أساس الدين إلي فسطاطين: فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر، وهو ما لا يمكن الرجوع إليه، ولا ينبغي للشعب المصري بوعيه الثقافي والحضاري أن يرجع بنا إليه أو أن يسمح بذلك مرة أخري، وكفانا ما عانينا من هذه الحركات وتلك التيارات والأحزاب المتاجرة بالدين، وبخاصة أن أحد أهم مهام المجلس القادم أنه مجلس تشريعي بامتياز، فنريد أن يكون صنع القوانين وإخراجها في أيدٍ وطنية ولاؤها لوطنها لا الشرق ولا الغرب ولا للممولين من دول أخري، يمكن أن تلعب دورًا خطيرًا ومؤثرًا في حركة حياتنا. ونؤكد لصانعي الإرهاب وداعميه أن الإرهاب الذي يدعمونه، ويربونه علي أيديهم وتحت أعينهم، سيكتوون بناره، إن اليوم وإن غدا، طال الزمان أو قصر، لأن الإرهاب لا دين له، ولا خلق له، ولا وطن له، وأنه يأكل من يدعمه، فهؤلاء الإرهابيون الذين يُحتضنون في بعض البلاد سيكونون نقمة عليها، وسيعملون علي تجنيد شبابها وأبنائها لخدمة أهدافهم، وسيجعلون من بعضهم قنابل موقوتة وأخري متفجرة، وسيجرّون الويلات علي الدول التي تؤويهم، وإن غدا لناظره قريب، يقول الحق سبحانه : « إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ « (هود : 80). وينبغي أن يعمل الجميع علي أن تكون الانتخابات علي أسس سياسية ووطنية محضة بعيدًا عن كل ألوان الاستغلال السياسي للدين، ونحذر تحذيرًا لا لبس فيه ولا غموض من محاولة استغلال المساجد في العملية الانتخابية، ونؤكد أن محاولة بعض المنتسبين لبعض أحزاب وحركات ما يعرف بالإسلام السياسي ابتزاز وزارة الأوقاف المصرية للضغط عليها لغض الطرف عن محاولات بعض أعضاء هذه الأحزاب للسيطرة علي المساجد هي محاولات رخيصة مكشوفة لن تفت في عضد الوزارة ولا رجالها. علما بأن الاستغلال السياسي للدين عند بعض هؤلاء وصل إلي درجة الإساءة المتعمدة إلي بعض العاملين بالأوقاف وبخاصة من الأئمة الذين نري أن أقل إمام منهم ممن يدركون مصلحة وطنهم هو أكثر علما وفقها وفهما ووطنية من هؤلاء المتاجرين بالدين الذين لا تحكمهم سوي شهوة الوصول إلي السلطة حتي لو كان ذلك علي حساب دينهم أو وطنهم أو قيمهم أو مبادئهم أو الأخلاق التي ينبغي أن يتحلي فيه أبناء الوطن الواحد بعضهم تجاه بعض. والموقف الذي أريده واضحا لا لبس فيه ممن يوظفون الدين ليلا ونهارًا لتحقيق مصالحهم الانتخابية، إن كانوا أهل دعوة أن يتفرغوا لدعوتهم، وإن كانوا أهل سياسة أن يتفرغوا لسياستهم، أما خلط الأوراق فهو عين ما فعله الإخوان، وما حذرنا ومازلنا وسنظل نحذر منه، مؤكدين أننا لن نسمح بتوظيف مساجدنا انتخابيا لصالح أي حزب أو فصيل أو شخص أو جماعة، وسيدرك المصريون جميعا يوما ما مدي دقة هذا الكلام، غير أني آمل أن يدركوه قبل فوات الأوان، وأرجو ألا يكون مثلي ومثلهم هو قول شاعرنا العربي : ولقد نصحتهم بمنعرج اللوي فلم يستبينوا النصح إلا ضحي غدِ.