عبد الهادي القصبي: ملف حقوق الإنسان يحظى باهتمام بالغ يتجسد في الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان    بدء مؤتمر الهيئة الوطنية للانتخابات لإعلان نتائج جولة الإعادة للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    بدء امتحانات الفصل الدراسي الأول بجامعة بنى سويف    جامعة بني سويف ضمن أفضل 100 جامعة في التصنيف العربي لعام 2025    استقرار سعر الدولار اليوم الخميس 25/12/2025 أمام الجنيه المصرى عند 47.54 للشراء    بحضور علي جمعة ونبيلة مكرم، "الصديقية" و"أورثوميدكس" تطلقان مبادرة شاملة لتمكين "ذوي الهمم"    وزير التعليم العالي يشهد توقيع اتفاق ثلاثي مع الخارجية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي    وزير التموين: تطوير مكاتب السجل التجاري أولوية لتحسين جودة الخدمات ودعم مناخ الاستثمار    وزير الخارجية يكشف موقف مصر من مطالب بعض الدول بحقوق المثليين    الهلال الأحمر المصري يدفع ب5900 طن مساعدات إنسانية و شتوية عبر قافلة زاد العزة ال102 إلى غزة    قصف إسرائيلى على مناطق متفرقة فى غزة.. جيش الاحتلال يستهدف المخيمات فى جباليا وخانيونس.. مصر تدفع ب 5900 طن من المساعدات الإنسانية إلى الأشقاء.. تل أبيب: لن نخرج من القطاع أبدا وننفذ مناطق أمنية عازلة    صحف جنوب أفريقيا: بروس يجهز مفاجأتين ل الفراعنة.. وصلاح السلاح الأخطر    البوروندي باسيفيك ندابيها حكما للقاء مصر وجنوب أفريقيا في كأس الأمم الأفريقية    رجال سلة الأهلي يصلون الغردقة لمواجهة الاتحاد السكندري بكأس السوبر المصري    بعد إخلاء السبيل، قرار قضائي جديد ضد التيك توكر شاكر محظور    ضبط ما يقرب من طن لحوم غير صالحة للاستخدام الآدمى خلال حملات تفتيشية فى المنوفية    المؤتمر الدولي لدار علوم القاهرة يناقش قضايا الاستشراق والهوية    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    المؤتمر الدولى لكلية دار العلوم بجامعة القاهرة يناقش قضايا الاستشراق والهوية    وزير الصحة يترأس اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للمستشفيات التعليمية    بيان عاجل من الخارجية السعودية بشأن أحداث حضرموت والمهرة في اليمن    استشهاد لبنانيين بغارة إسرائيلية في البقاع    محافظ الإسماعيلية يهنئ الأقباط الكاثوليك بعيد الميلاد المجيد    منع التغطية الإعلامية في محاكمة المتهمين بواقعة وفاة السباح يوسف    إصابة عضلية تبعد حمدالله عن الشباب لأسابيع    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    مصرع 3 تجار مخدرات وضبط آخرين في مداهمة بؤر إجرامية بالإسكندرية    وزير الخارجية: سنرد بالقانون الدولي على أي ضرر من سد النهضة    قرار هام مرتقب للبنك المركزي يؤثر على تحركات السوق | تقرير    الصور الأولى لقبر أمير الشعراء أحمد شوقي بعد إعادة دفن رفاته في «مقابر تحيا مصر للخالدين»    الكيك بوكسينج يعقد دورة للمدربين والحكام والاختبارات والترقي بالمركز الأولمبي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    المتحدث العسكري: قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أبريل 2026    أحمد البطراوي: منصة "مصر العقارية" الذراع التكنولوجي لوزارة الإسكان وتستوعب مئات آلاف المستخدمين    أشرف فايق يطمئن الجمهور على حالة الفنان محيى إسماعيل: تعافى بنسبة 80%    «تغليظ عقوبات المرور».. حبس وغرامات تصل إلى 30 ألف جنيه    «مدبولي»: توجيهات من الرئيس السيسي بسرعة إنهاء المرحلة الأولى من حياة كريمة    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي ويؤكد دعم تطوير المنظومة الصحية    المندوب الأميركي لدى "الناتو": اقتربنا من التوصل لتسوية للأزمة الأوكرانية    25 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    بالفيديو.. استشاري تغذية تحذر من تناول الأطعمة الصحية في التوقيت الخاطئ    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    تواصل تصويت الجالية المصرية بالكويت في ثاني أيام جولة الإعادة بالدوائر ال19    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    بشير التابعي يكشف عن الطريقة الأنسب لمنتخب مصر أمام جنوب إفريقيا    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    الأزهر للفتوى: ادعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها خداع محرم    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    طقس الكويت اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    هل يجب الاستنجاء قبل كل وضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد غياب أكثر من 4 سنوات.. ماجدة زكي تعود للدراما ب «رأس الأفعى»    بطولة أحمد رمزي.. تفاصيل مسلسل «فخر الدلتا» المقرر عرضه في رمضان 2026    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    صفاء أبو السعود من حفل ختام حملة «مانحي الأمل»: مصر بلد حاضنة    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات الأخبار
هامرفيست.. أو : المدينة تحت مدَقِّ الجبل !..
نشر في الأخبار يوم 27 - 11 - 2014


طارق فودة
الرحلة إلي آخر الدنيا!.. هامرفيست: مدينة تحت مِدَقِّ الجبل الرحلة إلي آخر نقطة في شمال الأرض.؛؛
عندما تصل إلي شمال ألمانيا- لتجد بحر البلطيق الذي يفصل ما بين القارة الاوروبية وبين اسكاندينافيا، فإنك تترك عالما يزدحم بكل ما هو حضاري.. لتصل إلي عالم آخر- يختلف تمام الاختلاف عن هذا العالم الذي كنت فيه.. الدنيا هنا تختلف.. الناس مختلفون.. الحضارة مختلفة- التقدم العلمي يختلف.. هؤلاء أناس يجمعون ما بين آخر ما وصلت إليه الحضارة العلمية- وأول ما كان منذ- ربما- الانسان الاول.. حتي البيوت شكلها مختلف- والجو شكله- او طبيعته مختلفة- والاسماء ذاتها تختلف. فهم هنا ينادونك باسم ابيك.. الصعيد عندنا أو الريف ينادونك ب: أبو فلان.. وهناك في اقصي الشمال ينادونك ب: ولد فلان..
ومن هنا فإنهم ينادون عالم التليفونات الشهير ب: اريكسون- يعني ولد ايريك.. وهو نفس آلة التليفون التي وصلت مصر من اكثر من سبعين سنة.. وهو تليفون كان قادما من السويد!..
بحر البلطيق هو الذي يفصل بين اوروبا والدول الاسكندنافية كما يفصل «بحر الشمال» هولندا عن الجزر البريطانية أو التي كانت جزرا فلم يعد هناك الآن إلا: المملكة المتحدة والتي كادت تتجزأ عندما ارادت اسكتلاندا ان تنفصل عنها منذ بضعة أشهر!.. لكن ربنا ستر!...
واول ما تلتقي به من العالم الاسكندنافي هو جزيرة شيلاند التي تقع علي ارضها العاصمة الدانماركية «كوبنهاجن» الشهيرة بالتمثال الصغير الذي يوجد علي شاطئها والذي هو بصورة عروس البحر «في مواجهة مدينة «ماطور» السويدية- والتي خلدها الكاتب الدانماركي الراحل هانز كريستيان اندرسون «ولد اندر» والذي جعلها اهم حواديت قبل النوم، وفي شاطئها الشمالي الشرقي القصر الذي خلده شكسبير بميلاد «هاملت» في حجراته- ومشيه علي سوره في محاذاة البحر ليتساءل: هل قتلت أمه أباه بالاشتراك مع عمه- ليتزوجا وليرث عمه عرش أبيه؟!..
الواقع انني مشيت علي هذا السور مرات ومرات.. اريد ان استشعر ما احس به هاملت.. الأمواج العاتية تحيط بهذا السور الامواج ما بين شاطئ السويد الغربي وشاطئ الدانمارك الشرقي فهنا تقترب الدانمارك من السويد إلي اقصر المسافات. حيث تقطع الباخرة «المعدّية» المسافة ما بين الدانمارك والسويد في عشرين دقيقة فقط- بينما تقطع «معدّية» اخري المسافة بين كوبنهاجن- في الجنوب- وما لمور في جنوب السويد في ساعة واربعين دقيقة.. ومما هو جدير بالذكر ان الدانمارك قامت فعلا باحتلال جنوب السويد لاكثر من مائة وخمسين عاما..
المهم ان السويد هي اقرب الدول إلي الدانمارك- تأتي بعدها فنلندا وعالمها الغريب- إلي اليمين ما بعد السويد بينما تقبع النرويج في الناحية اليسري- المياه تفصل بينهما كما تفعل مع السويد وفنلندا.. يعني- الوصول إلي اية واحدة منهن جميعا عن طريق البحر، وبذلك تعد الدانمارك هي بوابة الشمال الاسكندنافي.
أيام في هولمن كولن!..
كانت هذه هي المرة الثانية التي أزور فيها دولة النرويج.. سبقتها زيارة إلي العاصمة اوسلو- والي ضواحيها- حيث أمضيت ومن معي بضعة أيام في واحدة من أجمل فنادقها في ناحية «هولمن كولن». وهذا هو اسم البقعية التي يجري فيها اولمبياد الشتاء حيث تعد واحدة من اجمل- واصعب اماكن التزلج- أو الزحلقة في العالم.. فهي في قلب البقعة المتجمدة القريبة من اوسلو، وهي إلي حد ما اصعب من كل المباريات التي تقام علي جبال الألب القريبة من جنوب ألمانيا- والنمسا وسويسرا..
من الجميل ايضا ان يعرف الناس ان اوسلو بقدر ما هي بيضاء أو مدينة بيضاء الطابع من حيث الجو وتحكم الثلج فيها- فهي بيضاء ايضا من ناحية سلوك ابنائها- فأهلها بعيدون تمام البعد عن كل ما هو غير طبيعي.. الناس فيها يعيشون حياة عائلية هادئة- غير ممزوجة بكل ما هو شيطاني- مثل السلوك الجنسي المشين غير المألوف- ليس لديهم ما لدي الدانماركيين والسويديين من عادات جنسية او تجاوزات جنسية مشينة- وهم يعتبرون كل ما يجري علي الأرض الدانماركية والسويدية انما هو شذوذ وليس طبيعيا.. الناس هنا أقرب للبراءة بل هم ابرياء فعلا- ليس من السهل ان تجد محلا لبيع الخمور، ولا محلا لبيع السجائر- وآخر ما فعلته النرويج هو اعلان اكبر تجربة عالمية لمنع التدخين.. بدأوا بمنع التدخين في كل مكان مغلق- ثم في كل الشوارع الصغيرة- ثم في كل الشوارع الكبيرة- ثم وصلوا إلي القري الصغيرة- اصبح التدخين فيها ممنوعا- انتقلوا بعد ذلك إلي منع التدخين في القرية برمتها.. بعدها- المدن الصغيرة- ومنها إلي المدن الكبيرة ومنها إلي الدولة كاملة- نعم النرويج هي الدولة الوحيدة التي لا تباع السجائر علي آرضها.. ولا حتي علي متن السفن «العبارات» التي تأتي من الدانمارك أو من السويد إليها- وكانت أول دولة تعلن أن التدخين ممنوع علي ارضها..
كان لابد من استقلال الطائرة لتصل بنا إلي آخر مكان يمكن أن تهبط فيه طائرة قبل دخولك إلي عالم القطب الشمالي.. وكانت هذه المنطقة هي عند مدينة بودو Bodo وهي أكبر مدن الشمال.. أو هي صاحبة آخر مطار تصل إليه للولوج إلي شمال الكرة الأرضية..
مدينة كبيرة لكنها هادئة
لا تكاد تجد فيها حركة كثيرة
انها مدينة محاطة بالثلوج من كل ناحية..
لكن هناك بحيرة كبيرة أيضا- لها مساحات شاسعة.. كنا في منتصف الصيف- لكن البرد شديد. ومع ذلك فالناس يخرجون إلي بحيرة بودو- يجلسون علي شواطئها- وكأنهم يريدون ان يشهدوا في هذه البقعة نهاية الدنيا- نهاية الدنيا التي يمكن ان يعيش الناس فيها وحولها....
ولكن اي ناس هم الذين يعيشون هنا- إنها ليست ارض ناس عاديين.. أنها إرض اللاب..
لاب لاند
واللاب- هم القبائل التي تعيش في شمال النرويج- والسويد- وفنلندا..
لا تشترك معهم الدانمارك في هذه الأرض- لأن ارض الدانمارك القطبية هناك علي ارض جرين لاند «او الجزيرة الخضراء» وهي ليست خضراء أصلا إنما هي أكبر جزء متجمد في نواحي الدنيا- هناك بين القارتين الاوروبية والامريكية..
مرة أخري نعود إلي أرض اللاب Lapp Land- وهي القبائل التي تعيش في اقصي شمال الكرة الارضية من ناحية اوروبا.. وهم مختلفون عما كنا نعرفه باسم الاسكيمو- لان الاسكيمو غير موجودين إلا في شمال كندا- ولهم حكايات اخري..
اللاب قبائل تعيش في خيام علي أرض متجمدة صيفا وشتاء وهم يعيشون حياة شبه بدائية- الحضارة الأوروبية والعالمية تقترب منهم شيئا فشيئا ولكن بقدر بسيط جدا.. وحياتهم تقوم علي كل ما حولهم من بيئة ثلجية ومتجمدة.. يعيشون علي حيوان «الرنة»- هي أشبه بالغزال الكبير صاحب القرون المتشعبة- أو الابقار الوحشية ولكنها اصغر من الأبقار الوحشية شيئا ما..
طريقة اصطيادها بالسهام.. نعم: السهام هي الأساس- يحاولون أو يسعون لصيدها في حقول الثلج التي تملأ المكان كله- يجرون وراءها.. يطلقون السهام.. السهم يصطاد الحيوان «راين دير» واسهل مكان وافضل مكان للسهم ايضا هو بطئ الحيوان- يقع الحيوان علي الارض- يجرون بسرعة إليه- ويحركون السهم الذي اصطاد بطن الحيوان- حركات قوية ليجتمع الدم حوله- دم الحيوان طبعا- فيشربون كل ما يستطيعون- دم الحيوان الساخن يعطيهم الدفء والقوة التي يستعينون بها علي هذا البرد القارس فعلا..
بعد هذا- فلحم الحيوان غذاؤهم- وجلده يصنعون منه لباسهم- أما شحم الحيوان فهو افضل ما يدهنون به اجسادهم ليحتملوا البرد القارس طوال الشتاء..
هكذا روت لي المضيفة كارين ونحن نجلس معا علي شاطيء بحيرة بودو- وقد اقتربت الساعة من الثانية صباحا.. الليل لا وجود له.. فهو يسعي حثيثا علي امتداد الساعات التي نسميها ساعات الليل- لان النهار يستمر علي امتداد الاربعة والعشرين ساعة هنا في وقت الصيف- صحيح ان الشمس تخف قليلا- وهي خفيفة اصلا في هذا الشمال البعيد- ولكنها لا تختفي ابدا..
كانت الساعة قد تجاوزت الثانية صباحا- نحن نجلس علي شاطيء بحيرة بودو.. الشمس قد كادت.. كادت ان تختفي ولكنها لا تختفي ابدا- نصفها في الماء علي شاطيء البحيرة هناك بعيدا- ونصفها الآخر فوق الشاطيء- تعود لترتفع قليلا.. قليلا.. فبعد قليل فعلا يبدأ الصباح في العودة «المقروض- ليملأ الدنيا» لكنه لا يملأ الدنيا هنا ايضا..
هيا لكي نعود إلي الفندق لندرك بعض النوم- فالرحلة بعد هذا طويلة طويلة- بعيدة بعيدة حتي نصل إلي آخر مدينة في شمال الدنيا- هامرفيست..
هكذا قالت كارين.
وبالفعل رحنا نتجه إلي الفندق لننام..
شيء غريب..
شبابيك الغرف- لها شيش- مثل الشيش المصنوع من الخشب عندنا في بلاد الشرق الآوسط- حتي يحجب الضوء عنا- فالشتاء مظلم فعلا- ولكن الصيف هناك دائما بصيص نور- والصحيان يأتي دائما عن طريق رنة جرس المنبه يقول لك ان الساعة سبعة أو الساعة الثامنة صباحا..
الوصول إلي هامرفيست
لا أعرف كم من الأميال مشيناها- أو أوصلنا فيها الاوتوبيس البطيء- لأنه يمشي علي أرض كلها مغطاة بالثلوج- يظهر فيها الطريق احيانا ثم يختفي - ولكننا وصلنا..
نعم وصلت انا وعدد آخر من الركاب. غالبا من ابناء النرويج قادمين إلي هذه البلدة الصغيرة..
نعم وصلت إلي آخر مدينة في شمال الدنيا هذه المدينة التي تمني هتلر ان يصل إليها حتي يجلس علي عرش الدنيا جميعا- فإذا نظرت إلي خارطة العالم لوجدت فعلا انها هي البقعة الوحيدة التي فيها ناس- في شمال الكرة الأرضية- وكل ما حولها فراغ..
كان هتلر يطارد اليهود في كل مكان في أوروبا- وعندما وصل في مطاردتهم إلي النرويج أراد ان يستمر في المطاردة حتي يصل إلي هامرفيست- فلا يجد يهوديا واحدا باقيا.. ولكن يبدوأن ثلوج النرويج كانت اقوي من مطاردته لهم- فتوقف عن هذه المطاردة حتي لا يلقي مصير قواته عندما أراد ان يطارد الروس علي أرض سيبيريا!..
المهم انني وصلت إلي هامرفيست..
اذا نظرت إلي خارطة مجسدة لهذه المنطقة في آخر شمال الدنيا- لوجدت هامرفيست نقطة صغيرة جدا في شمال الدنيا في منطقة متطرفة من الخارطة النرويجية- تطل عليها فعلا قمة واحدة من قمم الجبال- وكأنها تقبع فوقها أو فوق صدرها.. وقد بدت وكأنها رأس الشاكوش أو «المدق» الذي يريد أن يدقها..
والمدن كلها اصغر من قرية صغيرة جدا في أي مكان من أماكن الدنيا.. شارع واحد كبير وطويل- قليل من الناس وقليل من المحلات ومصنع واحد كبير.. هو مصنع لتعليب الاسماك.. لكن المدينة لها مجلس مدينة- والمجلس له رئيس.. والرئيس ينتظر اي قادم من جنوب الأرض- وكل ما عداه جنوب ليحتفل به.. والسبب انه لا يأتي إلي هنا احد ابدا- فالطريق طويل، آلاف الكيلو مترات. وليس لاي واحد من ابناء النرويج هدف للوصول إلي هنا..
هكذا قال لي رئيس المدينة وهو يحتفل بقدومي- وقطعي كل هذا الطريق الطويل- ويقدم إلي عضوية نادي «الدب الابيض» ويعلنني مواطنا من ابناء هامرفيست..
قلت له: كيف اكون مواطنا وانا قادم من عالم الشرق الاوسط- مصر علي وجه الخصوص..
قال: إننا نعطيك المواطنة هنا..
وماذا اعمل؟..
قال: اي عمل تختاره.. فالاسماك هنا قد خلقت لنا عالما جميلا..
ولكن- كيف الاسماك- وانتم في قلب عالم متجمد؟..
قال: تيار الخليج الدافيء..
سبحان الله- تيار الخليج الدافيء وانتم في قمة القطب الشمالي ؟..
قال نعم: انها ارادة الله- ليخلق الحياة علي هذه الارض- تيار الخليج الدافيء الذي يولد هنا- من هذه البقعة في شمال الكرة الارضية- ليلف ساحل النرويج الغربي كله- فيخلق اعظم حياة للاسماك- فتصبح هذه الدولة من اكبر الدول المصدرة للاسماك- وهنا قرر احد المستثمرين السويسريين ان يقيم مصنعا كبيرا للاسماك هنا- والعاملات فيه كلهن من البنات- ولكي تكون الحياة مكتملة فقد قررنا ان نمنح اي شاب يصل إلي هنا: المواطنة- حتي تستقيم الحياة - ولا تهرب البنات- عائدات من حيث جئن.
ايام قليلة جدا امضيتها في شمال الارض.. في هذه المدينة الصغيرة- الحياة فيها- بالتأكيد اكثر دفئا من اماكن اخري علي ارض النرويج قد تبعد الاف الكيلو مترات.. فعلا اكثر دفئا.. ومما تراه وتعيشه في قلب هذه المدينة هو فعلا:تيار الخليج الدافيء- المندفع من الشمال إلي الجنوب- فكلما مشيت في شارعها الطويل- دفعك هذا التيار إلي الوراء حتي انك لتمشي المتر او المترين في دقائق طويلة- وكأنك تحس دائما ان شيئا ما يدفعك إلي الوراء..
لكنها- لحظات رائعة- ساعات جميلة هذه التي تعيشها وانت تحس أنك.قابع فعلا فوق قمة الدنيا- وكأنك قد جلست مستريحا- والدنيا كلها عند قدميك!..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.