«البعض يعتقد أن ما ينعم به من صحة ومال ونفوذ وقوة علامة علي رضا الله عنه رغم معاصيه وإعراضه.. والحقيقة أن الله يستدرجه» من غير المستساغ ولا المقبول أن يعيش الإنسان في الدنيا دون أن يكون له هدف يسعي لتحقيقه.. فلو سألت راكبا في قطار أو أتوبيس أين أنت ذاهب وقال «معرفش» فستقول إنه مختل أو مجنون. وكذلك ستقول نفس الشيء لو سألت إنسانا عايش في الدنيا منذ ثلاثين أو خمسين سنة انت عايش ليه وما هي أهدافك منها ولم يعرف أو يحدد لنفسه هدفا..! واسمح لي أسألك انت عايش ليه.. وما هي أهدافك في الحياة؟! أنا أثق أن هناك إجابات ستصدر من البعض صحيحة وممتازة وأن اجابات أخري ستأتي خاطئة أو في غير الطريق الذي يحقق نجاح وفوز الإنسان.. ولكن المأساة ان لا يكون عند الإنسان إجابة محددة.. بل يعطيك إجابة غبية فيقول «ادي احنا عايشين وخلاص».. فمثل هذا الإنسان لا مؤاخذة خسارة فيه حياته.. أخذها وأهدرها.. المهم ان العلماء حددوا طبيعة أهداف الإنسان في الحياة في أمرين وقالوا انها إما مقبولة وصحيحة وهي التي تأتي موافقة لمراد من أوجد الإنسان في الدنيا، أو خاطئة وغير مقبولة إذا كانت الأهداف علي مراد الإنسان نفسه يحددها بطريقته وبمزاجه وعلي هواه. ويقول العلماء إن الله محبة منه للإنسان لم يتركه لنفسه حتي تضله وتضيعه وإنما ساعده ومد يد العون له بأن أرسل إليه الأنبياء والرسل ليقتدي بهم. وأنزل معهم الدين أو النظام الذي يعيش الإنسان به دون أن يضل أو يغوي. وفي هذا السبيل يصبح أمام الإنسان أمران.. إما ان يقبل بهذا النظام ويسلم له فيعيش سعيدا في الحياة الدنيا وكذلك في الأخرة لأنه أطاع واستجاب. أو يرفضه ويضع لنفسه نظاما آخر يعيش به بعيدا عن حياة الأوامر والنواهي الإلهية وحينئذ ينال هذا الإنسان غضب الله.. ويوضح العلماء ان الغضب هنا له طريقا.. الأول بأن يعاقب الله العصاة في الدنيا إذا كان يحبهم لعلهم ينتبهون ويدركون أن ما بهم من بلاء وغلاء وأمراض وجور هو من عند الله فيعودون بسرعة إلي حظيرة الإيمان ويلتزمون بالمنهج الذي ارتضاه الله لخلقه وطلب منهم عدم الخروج عنه لينالوا رضاه. والثاني إذا كان لا يحبك ولا يجد فيك خيرا فيبارك لك في رزقك وحياتك رغم اخطائك وتقصيرك وإعراضك عن ربك. وهذا ما يسميه العلماء «استدراج» حتي إذا جاءت ساعة الموت اكتشف الإنسان انه ليس له عند الله حسنة واحدة فيصرخ بأعلي صوته «رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت». يعني يارب اعطيني فرصة أخري لأصلح ما أفسدت بسبب جهلي وغفلتي.. ولكن الإجابة تأتي قاطعة صريحة «كلا» فيدخل النار خالدا فيها.. لأن ليس لحياتنا إعادة ولا توجد فرصة «لملحق» لتصحيح الأخطاء.. والفرصة الوحيدة للنجاة هي أن يدرك الإنسان هذه الحقيقة مبكرا ويسعي لتصويب مساره وتصحيح اتجاهه عندئذ الله يقبل.. بل ويفرح.. بل ويبدل السيئات التي ارتكبها العصاة إلي حسنات لأنهم تصالحوا مع الله قبل أن تضيع الفرصة.. ويكون الجزاء ان يعطيهم الله أمرين.. الأول طمأنينة يعني سعادة في الدنيا والثاني رضا يعني يدخلك الجنة من أوسع أبوابها.. ولكن الشيطان يقف للإنسان بالمرصاد ليحرمه من هذه المنح الإلهية.. فيقنعه بأنه علي خير.. وأن ما يقوم به في الحياة أكثر من المطلوب منه ويدلل له رضا الله عليه بحجم العطايا والمنح والنفوذ والصحة التي يتمتع بها ويؤكد له انها دليل القبول وصك الرضا الإلهي فيستمر الإنسان دون أن ينتبه في ضلاله. وأخطر ما في المسألة ان الموت يأتي بغتة وقد يجد الإنسان نفسه في مواجهة مع الموت دون استعداد للرحيل، ودون زاد يكفيه ليسدد ديونه لكل الذين ظلمهم أو حرمهم أو اغتابهم أو هتك أعراضهم وقتها سيعض علي أصابعه ندما لأنه لم يزد ويكثر وينافس كل الناس بعمق إيمانه ومعرفته بربه.