من الجدير بالذكر أن كل أديان العالم تعلي من قدر قدسية الحياة الإنسانية، وليس الإسلام بدعا أو خارجا علي هذا الأصل، فقد نص القرآن علي عظم وعموم حرمة القتل، حيث يقول تعالي عن الذي يسفك دم نفس واحدة: »فكأنما قتل الناس جميعا«، والقتل في التصور الاسلامي ليس جريمة يعاقب عليها القانون في الحياة الدنيا فحسب ولكنه من أكبر الكبائر التي يعاقب الله عليها في الآخرة أيضا، والنبي صلي الله عليه وسلم يقول أن أول ما يقضي بين الناس يوم القيامة في الدماء. إن الإسلام الذي تعلمناه وتربينا عليه دين يدعو إلي السلام والرحمة، فأول حديث نبوي يتعلمه أي طالب للعلم الديني: »من لا يرحم لا يُرحم، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ومعرفتنا بالإسلام مردها إلي فهم علمي للقرآن الكريم الذي من ضمن ما جاء به: »يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم«، لذا لا يمكن أن يكون الارهاب مبنيا علي أساس من الفهم الديني الصحيح، وإنما هو تجسيد للاأخلاقية ولأناس ذوي قلوب قاسية وأنفس مريضة، ومنطق سقيم. لقد تلقينا ببالغ الأسي والحنق جريمة التفجيرات الأخيرة التي استهدفت إحدي الكنائس بالإسكندرية، وراح ضحيتها عشرات المواطنين المصريين، ولاشك أن هذا العمل الوحشي ينبغي أن يقابل بأحد لهجات الاستنكار والاستهجان. وبنفس القدر من الأهمية، يتعين أن نقف في وجه تلك الأفكار المتطرفة التي أزجت هذه الأعمال العدوانية، علي الرغم من مزاعمهم التي يشوبها الخلط، فالارهابيون في نظرنا مجرمون حادوا عن المنهج الاسلامي القويم الذي تكثر فيه الشواهد التاريخية والعقدية علي إعلاء قيم التسامح والرحمة والسلام، يقول تعالي: »ولقد كرمنا بني آدم«، فالاسلام إذن لا يعرف التفريق بين الأجناس أو العرقيات أو الأديان من حيث إن كل بني البشر يستحقون التمتع بالكرامة الإنسانية الأساسية. والأكثر من هذا أن الإسلام قد أرسي العدل والسلام والتعاون كقواعد للتفاعل بين أصحاب الديانات المختلفة، موجها المسلمين إلي معاملة من لا يظهرون العداوة والبغضاء بالبر والاحسان، وهذا هو المنهج السليم الذي ينبغي أن يسير عليه المسلم الحق لأن الله كما قال في كتابه: »يحب المقسطين«. إن النبي عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة الحسنة في كل الأحوال- قد اعتبر المسلمين وغير المسلمين طرفي عقد اجتماعي لا يمكن خرقه، فذمة المسلم وعهده أمر مقدس، كما قال النبي: »من آذي ذميا فأنا خصيمه يوم القيامة« وأي مسلم هذا الذي لا يحرم نفسه من شفاعة النبي فحسب، ولكنه يكون في خصومة معه يوم القيامة؟ كان هذا العمل الارهابي لطمة علي خدود كل المصريين، ولا ينبغي أبدا أن يتم استغلاله لنشر الفتن في بلد عاش فيه مسلموه ومسيحيوه معا في سلام لقرون. واسمحوا لي أن أكون واضحا بأن أكرر لكم أن الاسلام ضد الارهاب علي طول الخط، لكننا إن لم نفهم العوامل التي تقدم عقلنة للارهاب والتطرف، فلن نتمكن أبدا من استئصال هذا الوباء ولابد من فهم ذلك حتي نبني مستقبلا أفضل يضع نهاية لهذا الوضع الذي يؤزم العالم ككل. إن علي جميع المصريين أن يقفوا صفا واحدا في وجه هذه الحماقات، فمصر لا تعرف الفتنة الطائفية. إن قلبي ودعواتي مع كل من فقد عزيزا له، وخالص تعازي لأسر الضحايا وأخلص دعواتي بالشفاء العاجل للجرحي.