في التسعينيات من القرن الماضي وجه الاستاذ عادل الجزار نجم المصري السابق يرحمه الله دعوة لي للمشاركة في ندوة ببورسعيد حضرها معي الكابتن محمد عبده صالح الوحش رئيس النادي الأهلي الأسبق طيب الله ثراه والقيادات السياسية والشعبية بالمدينة الحرة... وخلال تلك الندوة فوجئت بسؤال مباغت موجه اليّ من أحد الحاضرين : لماذا تخصص الجرائد مساحات كبيرة للأهلي والزمالك علي حساب باقي الأندية الأخري خاصة أندية الأقاليم ؟.. وكنت مطالباً بالاجابة الكاملة والتحدث بصراحة بعيداً عن الدبلوماسية في مثل هذه المواقف وقلت وبلا تردد : نعم الصحف تخصص للأهلي والزمالك مساحات كبيرة ليس من باب التحيز لهما ، ولكن لكونهما صاحبي أكبر شعبية بين الجماهير ويمثلان ترمومتر الرياضة المصرية ، وليس كرة القدم فقط ، وذلك بما حققاه من انجازات علي المستويين الاقليمي والقاري ... وأي ناد آخر يحقق انتصارا لبلده يحظي بكل المساندة إعلاميا وجماهيريا ، ولعلنا نتذكر الاسماعيلي واقتناصه بطولة أبطال الدوري الإفريقي بعد فوزه علي فريق نادي الانجلبير الخطير في ملحمة جماهيرية رائعة باستاد القاهرة في أواخر الستينيات .... وعلي المستوي المحلي فإننا نتمني أن يكون لدي جميع الأندية طموح الفوز بالبطولات ، وسترون كيف ستتعامل معها الصحف !!... علينا أن نعرف أن الصحافة الرياضية مع إهتمامها بترسيخ المبادئ الأخلاقية والتربوية العليا والروح الرياضية فإنها تهدف ايضاً الي ترويج نفسها بفرد المساحات للابطال كما هو الحال في الصحافة الفنية التي تلاحق أبطال الأفلام السينمائية والدراما التليفزيونية ولا تقترب من الكومبارس إلا نادراً !!.... نحن نريد منافسة شديدة وشريفة يشارك فيها الجميع وبما يحقق المصلحة العليا للرياضة المصرية ... ولا نريد أن تكون انتصارات أي فريق مقرونه بفترة بعينها أو بوجود مجموعة من أصحاب المهارات العالية في تلك الفترة ثم تغيب الانجازات مع اعتزال أو غياب هذه المجموعة. المطلوب وضع خطط طموحة لتحقيق الانتصارات والعمل علي اكتشاف مواهب جديدة من أصحاب المهارات العالية لتتواصل الأجيال في عدد كبير من الأندية... وفي هذا المناخ ستختفي المساحات الكبيرة التي يشغلها عملاقا الرياضة المصرية ... مع ظهور ابطال جدد في الصورة.. ورغم مرور أكثر من عقدين من الزمان علي تلك الندوة وتلك الكلمات ، فإنه لم تحدث أية تغييرات مؤثرة يمكن أن تقلب الموازين... فما زال الأهلي والزمالك هما فرسا الرهان في الساحة الرياضية ، ونأمل أن يواصلا مسيرتهما الناجحة لانهما الأمل الباقي لما يمكن تحقيقه من انجازات لاستعادة ارض فقدتها الرياضة المصرية في السنوات الأخيرة والحقيقة اني لم أتذكر تلك الندوة البورسعيدية ولا السؤال الذي وجه فيها اليّ وإجابتي عليه إلا للتأكيد علي الدور الحيوي والمهم لعملاقي الرياضة لمصرية الأهلي والزمالك في النهوض بالرياضة والابقاء عليها منتعشة ... وبالتالي نؤكد علي ان واجبنا يحتم علينا الان العمل علي ايجاد وترسيخ علاقات ودية وصحيحة بينهما في اطار المنافسة الرياضية الشريفة ... وندعو الأندية الاخري الي اللحاق بهما علي منصات الشرف لتأخذ مصر مكانتها اللائقة بها في هذا المجال الحيوي والذي يعد مقياساً حقيقاً لتقدم الأمم.. وأري أن أي سوء فهم أو أي محاولة لإفساد العلاقات بين قيادات الأندية سيكون لها مردود خطير علي الساحة الرياضية التي لا تكاد تخلو من مشجعين يخرجون عن النص في أحيان كثيرة وعلي مدي عشرات السنين ولكنها ظواهر يجب معرفة أبعادها المحدودة ، ولا نعطيها ما لا تستحقه وحتي لا ينعكس ذلك علي المناخ العام ... وأعتقد أن زيارة خالد عبد العزيز وزير الشباب والرياضة لنادي الزمالك يوم الاحد الماضي جاءت في توقيت جيد ، وساهمت في رأب الصدع بين الناديين الكبيرين ، وخلالها أكد الوزير أن مجلس الأهلي يحترم ويقدر مجلس ادارة الزمالك ورئيسه ويرفض أي تجاوزات ضده ..... كما أعلن المستشار مرتضي منصور رئيس نادي الزمالك في أعقاب الزيارة انه سحب شكواه التي قدمها ضد مجلس ادارة الأهلي بسبب هجوم الجماهير عليه خلال احتفالهم بفوز فريقهم بكأس السوبر المحلي ... وقال منصور انه يكن كل الاحترام للأهلي ومجلس ادارته وجماهيره وجمعيته العمومية متمنياً فتح صفحة جديدة بين الناديين ، رافضاً إهانة مجلس الأهلي من قبل جماهير الزمالك وفي المقابل يرفض الاساءة لشخصه من جماهير الأهلي... وفي الناحية الاخري فإن المهندس محمود طاهر رئيس النادي الأهلي لا يقبل يوجه أي انسان أي إساءة أو إهانة الي رئيس الزمالك أو أي عضو بمجلس إدارته ... وكانت هذه النغمة هي السائدة بين جميع أعضاء مجلس الأهلي تجاه أقرانهم في الزمالك... والتجارب السابقة والقديمة تسجل خروج بعض الجماهير عن الروح الرياضية ، وهو أمر يأتي بطبيعة الحال علي غير رغبة المسئولين بالاندية... ولا يمكن محاسبة قطاعات كاملة من المدرجات عن كلمات غير مسئولة قد تخرج من بعض الافراد المنفلتين - بقصد أو بدون قصد - وأحياناً يرددها الباقون وفقاً لنظرية في علم النفس الاجتماعي يعرفها أساتذة هذا العلم .... وعموماً فان الاحتقان والتعصب الأعمي بين جماهير الأهلي والزمالك كانا من العلامات البارزة التي كانت تصبغ الساحة الكروية المصرية لسنوات طويلة مضت ، ولم يسلم فيها أحد من الغمز واللمز والسب والقذف كبيرا كان أو صغيراً للأسف ساهم في نمو واستفحال تلك الظاهرة المرفوضة عدد من الهيئات الاعلامية والقنوات الفضائية التي تحولت الي أبواق هيستيرية للتشجيع وبث نزاعات التطرف والتعصب الأعمي ... وقد طالبنا بإصدار ميثاق شرف للإعلام الرياضي وكنا في سبيلنا للانتهاء من اعداده تحت اشراف الإذاعي الكبير رئيس الاذاعة الأسبق فهمي عمر في لجنة الشباب والرياضة باتحاد الاذاعة والتليفزيون ولكن لم يكتمل المشروع لأسباب لا نعلمها حتي الآن ... ونأمل أن يستعيد « الخال» فهمي عمر ذاكرته الحديدية ويعيد الي الأذهان هذا المشروع والخروج به الي الوجود لما فيه خير الرياضة المصرية..