العلاقة بين البنية التحتية والنمو الاقتصادي علاقة متشابكة تزايدت حدة الجدل السياسي وبصفة خاصة في الاقتصاديات المتقدمة والدول النامية حول العلاقة بين الاستثمار العام والاستثمار الخاص، كما تصاعد النقاش حول الأمور الخاصة بالإنفاق العام مع تزايد حدة المشكلات الاقتصادية التي تواجهها الدول النامية والاقتصاديات الناشئة من تزايد عجز الموازنة، وارتفاع معدلات البطالة، وارتفاع معدلات الدين العام، وزيادة التضخم. ولذلك تتزايد مطالب الاقتصاديين عن أهمية زيادة معدلات الاستثمارات بشكل عام لزيادة معدلات النمو وفرص التشغيل. إلا إنه منذ سبعينيات القرن العشرين ومع تزايد الاتجاه نحو اقتصاد السوق تزايدت المطالب بأهمية دور القطاع الخاص وأهمية الاستثمار الخاص بصفةٍ أساسية، وضرورة تراجع دور كلٍ من الحكومة والاستثمار العام. وما أٌود أن اثيره في هذا المقال هو أهمية دور الدولة كمراقب ومنظم، وأن النمو والاستقرار الاقتصادي وبصفةٍ خاصة في الاقتصاديات والدول الناشئة يتطلبان كلاً من الاستثمار العام والاستثمار الخاص علي حدٍ سواء، فلكلٍ منهما دوره الأساسي في رفع معدلات النمو، ولكن الأهم هو المكونات الأساسية لهذا الإنفاق ومجالاته وكفاءة استخدامه. ومن هنا تأتي أهمية سياسات الإنفاق العام وقدرة هذه السياسات في التأثير علي مكونات الإنفاق العام علي معدلات النمو الاقتصادي من خلال الآثار الناجمة علي مستوي وهيكل الإنفاق. فالإنفاق الحكومي خاصة الإنفاق علي رأس المال البشري والبنية التحتية تساهم في الأغلب الأعم في رفع معدلات النمو الاقتصادي، ولكن في نفس الوقت فإن هناك بعض المشكلات المتعلقة بضعف كفاءة الحكومة في تقديمها للسلع العامة، وسوء تخصيص الإنفاق، وزيادة هدر الموارد وانتشار الفساد. والحقيقة أن الاستثمار الحكومي في مجال البنية التحتية أخذ اهتماماً كبيراً بعد وقوع الأزمة المالية العالمية؛ حيث قامت الحكومات المختلفة وبصفة خاصة في الدول الرأسمالية في زيادة الإنفاق علي المشروعات العامة كجزء من حزم التحفيز المالي لدعم النمو الاقتصادي للبلدان التي عانت من الآثار السلبية للأزمات المالية. وجدير بالذكر أن هناك ثمة اجماع بين الاقتصاديين علي الرغم من اختلاف البعض منهم بالتأكيد علي الفائدة والآثار الإيجابية التي تعود علي المجتمعات من الاستثمارات في البنية التحتية. كما أوضح عدد من الدراسات المختلفة إن التراجع في الاستثمار العام في البنية التحتية كان العامل الرئيسي المسئول عن ضعف أداء الاقتصاد الأمريكي في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، وأن الاستثمار العام في مجال البنية التحتية يٌعد مكملاً وليس مزاحماً للاستثمار الخاص. كما توضح الدراسات المختلفة أن العلاقة بين البنية التحتية والنمو الاقتصادي علاقة متشابكة لإنها لا تؤثر علي الانتاج والاستهلاك بشكل مباشر، ولكنها تخلق الكثير من الآثار الخارجية والتي تؤدي علي المدي المتوسط والطويل إلي رفع إنتاجية الاقتصاد من خلال توفير فرص العمل، وزيادة استغلال عناصر الإنتاج المختلفة، وتحفيز الاستثمار الخاص، وكلما زاد رأس المال المرتبط بالبنية التحتية تزيد الإنتاجية الحدية لخدمات رأس المال الخاص، وبالتالي يزيد الطلب علي قدر أكبر من تدفق خدمات رأس المال الخاص. لذا يلعب المال العام دوراً مكملاً وجاذباً لرأس المال الخاص. ومع ذلك فإن كلامي هذا لا ينفي وجود احتمالات أخري قد تؤدي فيها الزيادة في رصيد الإنفاق العام إلي آثار عكسية علي النشاط الاقتصادي من خلال مزاحمة الاستثمار العام للاستثمار الخاص، لإن زيادة الإنفاق العام بشكل أساسي تتطلب توافر موارد مالية سواء من الضرائب أو الاقتراض الحكومي، بالإضافة إلي معدات وعمالة. ووفقاً لهذا المنطق فإن فكرة المزاحمة يتوقع حدوثها، وبالتالي فإن أثر زيادة رأس المال العام علي النمو الاقتصادي قد يحفز رأس المال المرتبط بالبنية التحتية، ويشجع علي مزيد من الاستثمارات، وارتفاع معدلات النمو. ومن ناحية أخري فإن الاستثمار العام في البنية التحتية قد يؤثر بالسلب علي النمو الاقتصادي نتيجة ما يترتب علي الاستثمار العام من اثر المزاحمة مع الاستثمار الخاص. وللحديث بقيه...