أشاهد مباريات كأس العالم هذه الأيام بكثير من المتعة. لست وحدي طبعًا، بل مئات الملايين في العالم كله. ليالي المونديال لها طابع جميل و مميز. لا أراها من منظور كروي فحسب، فأنا لست مخضرمة في قوانين اللعبة ولا مشجعة محترفة ، لكني أعشق متابعة المونديال لأنه يلخص دراما الحياة. دراما حقيقية نراها كل ليلة و نسهر معها. ألوان النجيلة الخضراء بتقسيماتها الهندسية المبهجة، أشكال وتقاليع المشجعين من مختلف بلاد العالم. الكل يتفنن في إضفاء البهجة من خلال رسومات و ألوان علي الوجوه و الأجساد و لافتات و أشكال و مجسمات طريفة و مثيرة. ملابس اللاعبين و الحكام لكل فريق، موضة الأحذية الرياضية الفردة و فردة (كل فردة لون مختلف) قصات شعر اللاعبين الغريبة و العجيبة. كرنفال حقيقي عامر بكل ما لذ وطاب من فرجة، ليس لكرة القدم فحسب، بل للمشهد المبهج، الملئ بالحيوية و الحياة . دراما الحياة تتجلي في خروج الكبار من الدور الأول للمونديال. من يصدق أن تخرج أسبانيا (التي أشجعها كأنني أشجع مصر) من الدور الأول تأثراً بهزيمة ساحقة، ماحقة من هولندا ثم شيلي. «يا إلهي «علي رأي المعلق الرائع فهد العتيبي في مباريات كأس العالم. حامل اللقب في مونديال 2010 يخرج من الدور الأول! يا للمهزلة الكروية. فرنسا تظهر علي مسرح الكبار في هذا المونديال وتوحي بالتقدم ربما إلي الدور النهائي. من يدري؟ إنها حقا كرة مستديرة تحمل الكثير من المفاجآت و الإثارة. ثم نفاجأ بالبرتغال تضيع بأربعة أهداف من ألمانيا، وهولندا تظهر كند عنيد لتنافس و تصل إلي الدور الثاني. إيطاليا تواجه موقفًا صعبًا للوصول إلي الدور الثاني. ظهور منتخبات أمريكا الجنوبية علي ساحة المشهد الكروي كأبطال جدد يتقدمون ليأخذوا أماكنهم علي القمة. كوستاريكا و شيلي وكولومبيا والإكوادور. والبقية تأتي. المعلقون علي المباريات قصة أخري . بعضهم يكون وجوده مكملاً للمتعة، شاحذاً لها و علي رأسهم : عصام الشوالي ، رءوف خليف ، فهد العتيبي. لكل منهم شخصية و لازمة معينة أحبها المشاهدون، فتفنن في تكرارها بذكاء و إحترافية، وهناك معلقون آخرون يؤدون ما عليهم و يتابعون أحداث المباراة لكن بلا طعم، و هنا تظهر الموهبة و الشخصية حتي في التعليق الرياضي . كاميرات التصوير تنقل مشاعر المشاهدين، اللاعبين، الحكام، المدربين و لا أعظم مخرج سينمائي. دراما الحياة بطولة كل هؤلاء! اللقطة الذكية هي التي يبحث عنها المصور في المونديال مثلما يبحث اللاعب عن اللقطة المواتية للتهديف و إحراز «جول». ألستم معي في أننا لا نشاهد في المونديال مباريات حماسية، قوية فحسب لكننا نشاهد قصة مثيرة مدتها تسعون دقيقة ، لها سيناريو و حوار و مؤثرات صوتية و ديكور و مدير تصوير و مخرج . هكذا أشاهد مباريات المونديال، بعين أديبة تلتقط أنفاس البشر و تختزن تعبيراتهم و ردود أفعالهم التلقائية، الإنسانية بكل زخمها و روعتها. إنه مونديال العالم الذي يأتينا كل أربع سنوات ليفاجئنا بأحدث أخبار الفرق الكبيرة التي صارت صغيرة، و المجهولة التي تقاتل و تتقدم الصفوف. يجيء أيضا ليخبرنا عن أحدث إبتكارات الشباب في قصات الشعر و تقاليع الأحذية الرياضية.و شئ آخر مهم إن أداء الفرق و إيقاعها يعكس سرعة إيقاع العالم كله. نعم الحركة السريعة، الإيقاع المختلف عن مونديالات زمان . كل هذا ينبهنا أن الدنيا تتغير، تتحرك، ولم تعد مثل أربعين سنة مضت أو حتي أربع سنوات! هنا يتجلي معني أن الرياضة ثقافة. وأن التفاف الناس في كل بقعة من بقاع العالم حول الساحرة المستديرة له فوائد وأبعاد أخري إلي جانب متابعة الحدث الرياضي الأكبر علي مستوي العالم. يبقي أن أحلم و أتمني أن أشاهد منتخبنا المصري ضمن الفرق المشاركة في مونديال 2018. إن شاء الله موعدنا في موسكو .