د. أحمد درة يعاود هذا اليوم ولم تستطع الكلمات أن تملأ ذلك الفراغ العريض، حيث الجهد والعمل لم يكن بحجم الأرض واتساعها، ناهيك عن عمقها في الوجدان والتاريخ، فاحتشاد الناس حول الوادي كان سبة في حقنا وليس حجة لنا حين نرمي إلي العلا، إرتقاء يليق بالماضي الذي لم نعد نملك سواه كلاما وأحيانا صراخا بلا جدوي، فحينما كان يتكلم عنها الرؤساء، يدور كلامهم حول الدماء التي روت رمالها، ويظل الحديث موصولا بهذا المنطق الأجوف، فليس يعنينا منها غير لغة الموت انتظارا للأعداء القادمين حتي نجليهم، ونرجع الكرة تلو الأخري، والفخر ليس بالحياة، بل هو الموت، وسيناء ليست هي المقبرة الكبيرة، إنما هي الحياة في أجل معانيها، وهي اتصال الأرض بالسماء، المحادثة المباشرة، ونزول الآيات المقدسة وابتهال أنبياء بوركت الارض من تحت أرجلهم ومن حولهم. وكأن الافكار كانت قاصرة لم تمس الخصوبة المكنونة في هذه الارض المقدسة، وأظن انها بقيت مفصومة عن اصحابها حينا من الدهر فاصبحنا شيئا منسيا ومطمورا، وجرت الأحداث كما تصورها العادون والمتربصون للحظة الانتفاض، لم يأت أحد طيلة هذا العمر الطويل ليكسر السكون والخواء المحلق، ويضرب اليأس ضربة عملاق ويشق الارض فتنبت بالتين والدهن وزيتونها، لم يلتقط أحدنا هذه الآية ليعلمنا كيف تكون البركة وكيف يصعد الانسان صعودا مطردا لا يوقفه عائق. آن إذن أوان الدخول الي تفاصيل الرمال وتحليل الضوء الي أطيافه والصوت الي مكونات الأدق، والحياة الي معانيها الأنبل في أعماق أعماقها، لم يعد يجدي الكلام المعاد، ولم يعد الانسان بقادر علي المضي في الانفاق المظلمة، فأرض سيناء الطريدة دوما من حدودنا والشريدة دوما من أفكارنا، لن تعود لنا علي الخرائط إلا اذا عادت بقوة الي إحضان هذا الشعب وآلام هذه الأمة لتشفيها شفاء لا يغادر سقما. أشهروا الغضب أشعر أن ثمة مخاوف كثيرة بدأت تراودني وتشقيني، وتذود النوم عن أجفاني، وطني يغزوه الموت لا يتخفي، أغفو وأصحو علي دبيب أقدامه، في كل مكان، أشم رائحة الاجساد المشوية والبارود، وعفن المؤامرة، هذا وطني الذي كان، أذوب في غمرات الألم شوقا الي أيامك البعيدة التي غادرت الي غير رجعة وأصرخ في هذا الوجود لماذا تسكرون بخمر أرواحنا المزهقة، لماذا ترقصون علي نغمات الذبح واهراق الدماء في الطرقات المستباحة، لا احد يريد أن يوقف الموت ويصده عن بلادنا، هل أصبح الموت عادة من عادات شعوبنا، ان يكون قتلا مع شاي الصباح وحليب المساء، هل تعلم هؤلاء الذين يزرعون الموت والدمار كيف يخونون بلادهم قبل ان يتعلموا آيات الذكر الحكيم، آه يا بلادنا الحزينة، كم انت جميلة حتي في احلك الأوقات، وكم نحن آثمون كلنا، وموصومون بارتكاب أبشع الجريمة فيك، فهل تسامحين من كان يوما هنا ولم يشهر الحزن والغضب في وجه هؤلاء الخائنين. إليك هذا الألم كنت أترجي فيك غدا، غد بلادي، ولكنك ركنت اليهم وأفلتت اللحظة العظيمة من بين يديك.. أما تذكر حين قلت لك يوما أنك خسارة فادحة يوم غادرت موقعك، كنت أبهي وأجل، كنت تحرك قلب العمل، وكان الناس يرونك مشتعلا بالأمل، رحيما بهم، ومنطلقا بأحلامهم، أما اليوم فانت مكبل، ليست هذه هي أقدامك التي كنت تهرع بها وتهم الي الغايات العظمي علي ايقاعها، ليست هذه اجنحتك التي كنت تطير بها الي آلامنا المعلقة في اجواء الوطن، آه كم كنت آمل ان تعيد لنا الأمان المهاجر من شوارعنا وحاراتنا ومخادع أولادنا، كم كنت وادا ان تضمد الجراح ولكنك اليوم تفتحها علي اتساعها.