كشفت التسريبات التي بثها موقع »ويكيليكس« للوثائق الامريكية المختومة بخاتم »سري« و»سري جدا« عن حدث كبير وصفه البعض بأنه يماثل »زلزال« الحادي عشر من سبتمبر »الشهير« حيث تغيرت من بعده منظومة الدبلوماسية الدولية والتحول إلي دبلوماسية البارجة والصاروخ وتجييش الجيوش والان يعتبر هذا البث الالكتروني بمثابة زلزال قد يغير ملامح العلاقات الدبلوماسية وأول تعقيب في اطار هذا المعني نجده في تصريح رئيس الوزراء الروس بوتين الذي وصفه بأنه يعبر عن سوء نية الدبلوماسية الامريكية والتي تدافع عن نفسها بالاعتراف بأن ما حدث هو اختراق خارج عن البنية والسيطرة.. ولاشك ان الوثائق السرية التي يبثها الموقع وكذلك التفاعلات الدولية التي تثيرها المعلومات بهذه الوثائق يمكننا ان نسميها ونصك لها مصطلحا جديدا وهو »لغويات ويكيليكس« وهذا علي غرار ذلك المصطلح الذي صكه عالم اللغويات الشهير روجر فولر عندما تحدث في كتابه المهم بعنوان »اللغة والتحكم« عن »لغويات اورويل« ويشهد تحديدا هنا الروائي المعروف جورج اورويل في روايته عام 4891 والذي وصف فيه كيف تتم قيادة الشعوب بفرض منظومة من الكلمات والتعبيرات ورفض والغاء منظومة أخري من الكلمات والتعبيرات بل وانماط من التفكير.. الرواية معروفة بروعة الفكرة والاداء الابداعي للاديب العالمي والسؤال الذي اطرحه هنا عندما اصك مصطلح »لغويات ويكيليكس« هو عن أي مستويات من التحليل نتحدث هنا، وهذا المصطلح الذي انوي تفكيكه وشرحه في دراسة مقبلة بإذن الله يتمثل في طرح الاسئلة والمستويات التحليلية التالية: 1- مستوي طبيعة تحليل الوثائق ومضمونها بأسلوب علمي. 2- مستوي البعد المعلوماتي في عصر المعلومات وظاهرة التفجر أو الانبهار أو التفجير المعلوماتي. 3- مستوي تحليل ما وراء هذا التفجير المعلوماتي وهذا هو ما سأتناوله في سلسلة مقالات قادمة. والسؤال الذي اطرحه في هذا المقال والمرتبط بتوقيت ونوعية ما بث من وثائق هو: هل تمثل عملية هذا البث الالكتروني نوعا جديدا من مباريات التسويق السياسي والاقتصادي علي المستوي الاستراتيجي؟ وأقصد هنا بالمستوي الاستراتيجي هو محاولة الولوج في عالم السياسة وعالم الاقتصاد بمصطلحات ومباريات الاستخبارات أو التنافسية الاقتصادية التي كتبنا عنها عددا من المقالات علي هذه الصفحة.. وهنا نتحدث عن لغويات ويكيليكس .. كلغويات يراد من خلالها بث معلومات بعينها وتوجيه انماط معينة من التفاعلات التي ربما يكون من ورائها فكرة استراتيجية مدروسة بعمق وليس مجرد حروب بين افرع جهاز المخابرات هذا أو ذاك أو مجرد وجود شاب لديه نظرية في الاجرام المعلوماتي دفعه غروره وطموحه للقيام بأكبر عملية »تفجير معلوماتي« الي اليوم حيث رأي من خلالها »أي ناسج« الولوج الي الموسوعات الدولية الكبري، عموما التحليل الاولي لما ورد من بعض الوثائق التي لفتت انتباه العالم تقول بأن هنا وهناك تكثيفا - علي الاقل - في وسائل الاعلام الدولية لما ورد في الوثائق عن محاولة شن حرب معلوماتية مفتوحة علي قيادات دول مجلس التعاون الخليجي وعلي ايران، حيث تم التركيز الاعلامي الاكبر علي فكرة »تبرير ضرب ايران« ووصم الرئيس الإيراني نجاد بأنه يعاني من »مرض عقلي يفقده توازنه« كذلك بخصوص مقولات عديدة ومواقف لدول أخري من شأنها تعميق التسويق السياسي لضربة ضد إيران، اما امثلة التسويق الاقتصادي الذي دائما ما يلزم التسويق السياسي، فالامثلة اصبحت شهيرة حيث كان ضرب العراق لصالح »خطة اعمار العراق لاحقا« وهنا نجد اظهار الاعلام الدولي بأن رئيس الوزراء بوتين قد وصل إلي ما يريد من خلال صفقة للغاز الروسي مع إيطاليا وتفاصيل المآرب الاستراتيجية في هذا الملف، يدخل في عمليات هندسة سياقات التسويق الاقتصادي السياسي الحديث عن تفاصيل صفقات السلاح لدول الخليج تلك التي تبرم مع كوريا الشمالية، والامر يبدو الي الآن خارج نطاق السيطرة علي عملية التفجير المعلوماتي التي حدثت وجهود احتواء »بقعة الزيت« المتنامية في الكبر التي نتجت عن هذا التفجير، ويبقي للحديث محاور أخري عن اهمية وجود استراتيجية نفسية واستراتيجية للتعامل مع احتمال ان تكون »لغويات ويكيليكس« بمثابة بداية لتفعيل منظومة استراتيجية جديدة لإدارة تفاعلات بعينها وتحقيق اهداف بعينها في خلق بيئة مواتية لعملية تسويق سياسي واقتصادي آني ومستقبلي وهذا ما ستكشف عنه تفاعلات المستقبل والله المستعان.