عم رمضان قد يصبر الجسد علي قلة الطعام والشراب، وقد يستريح في زاوية رطبة في غرفة مظلمة بجوار أجساد أخري، لكنه أبدا لا يصبر علي أوجاع الألم ووخزات المرض إذا ما تزايدت يوما بعد يوم، خاصة إذا كان جسدا هزيلا نحيلا لا يقوم من مقامه إلا بعد مساندة من شخص أو اثنين.. ذلك هو جسد عم رمضان شحاتة، الذي لم يحتله المرض إلا بعد أن تجاوز الخمسين، وكأن الأمراض كلها قد اجتمعت عليه في هجمة واحدة، فلا يكاد يبحث عن علاج لالتهاب القولون حتي يباغته الانسداد الرئوي، وما أن يهرع لمعالجة تضخم البروستاتا حتي يناوشه قصور الشرايين، وهكذا تباعا كأنه يعيش في دائرة مفرغة لا سبيل إلي الخروج منها، ورغم كل هذه الأمراض والآلام الموجعة، فإن جسد عم رمضان كان صابرا محتسبا علي قضاء الله وقدره، وإن شغله مستقبل أولاده الخمسة حتي عن أمراضه، شغلته مصاريفهم الدراسية التي تزداد كل عام، شغلته لقمتهم التي كان يوفرها لهم وهو معافي بطلوع الروح، فكيف يوفرها الآن وهو قعيد الفراش لا يقوي علي الحركة، من أي مكان يوفر مصروفات خمسة أبناء وأمهم، وهو الذي لا يملك من متاع الدنيا شيئا يساعده في أزماته، اللهم سوي ثلاثمائة جنيه لا غير، معاش ضمان اجتماعي، لا تكفي إيجار غرفة وحيدة تؤوي أسرته من الشارع، ولا تكفي حتي علاجه الشهري الذي يتجاوز ثمانمائة جنيه، أحيانا يجود عليه أهل الخير ببعض العلب من الدواء، وأحيانا كثيرة يدعي انه لا يحتاج الدواء حتي لا تستدين زوجته ثمنه، فتكثر هموم الأسرة بصورة أكبر مما هي عليه، حتي إذا أخبره بعض جيرانه عن باب أسبوع الشفاء تقدم بأوراقه وأمراضه ليبحث عن فرصة يحصل بها علي دوائه الشهري، حتي استجاب أسبوع الشفاء وقرر توفير ألفين وخمسمائة وثلاثة وعشرين جنيها ثمنا لدواء عم رمضان لثلاثة أشهر.