سلطان أبوعلى كم ذا بمصر من العجائب والمتناقضات التي يحتاج إلي تحليل ومعالجة. ومن ذلك أن مصر وفيرة بالوارد التي لا تتناسب مع تصنيفها كدولة متأخرة، واستيرادها بالموارد لنصف غذائها وهي الدولة الوفيرة في الموارد الزراعية. واستبشار أهلها بالخير إذا ما ضحكوا توقعا لحدوث شر بعده، ووجود نسبة عالية من البطالة في الوقت الذي يتعذر عليك فيه الحصول علي فني »سباك، كهربائي، إلخ« جيد. ومنه أيضا الثراء والفقر بين الشعب والحكومة وهو موضوع مقالنا هذا. لقد قيل في منتصف الثمانينيات من القرن العشرين إن »الحكومة فقيرة والشعب غني«. ويعتقد أن الوضع الحالي يتصف بكون الحكومة فقيرة »وبعض« الشعب غنيا. والمقصود بفقر الحكومة هو تزايد العجز في الموازنة العامة للدولة، وتراكم الدين المحلي والدين الخارجي تراكما كبيرا. أما فقر الشعب فيمثله عدم القدرة علي الوفاء بالحاجات الأساسية للانسان، وثراء بعض أفراد الشعب يتمثل في التنعم بخيرات الحياة مثل المأكل الفاخر والثياب الغالية، والمسكن الواسع وغيرها من مظاهرات الحياة المرفهة. ولا تستقيم أوضاع دولة يختل فيها حال الشعب عن حال الدولة. وتقع مسئولية هذا الوضع العجيب علي الحكومة أولا وذلك لأسباب عدة وسلوكيات مختلفة، وممارسات غير سليمة من أهمها.. ولا يعني الترتيب الأهمية: لقد سمحت السياسة المالية للدولة عبر السنوات الماضية بزيادة النفقات العامة بمعدلات تفوق كثيرا معدل زيادة الايراد في الموازنة العامة كما تسبب في تفاقم مشكلتي عجز الموازنة العامة للدولة وتضخم الدين العام الداخلي والخارجي، سنة بعد سنة. أدي عدم تحصيل الضرائب السليمة، وخاصة علي الدخول المرتفعة جدا، إلي انخفاض نسبة الضرائب إلي الناتج المحلي الإجمالي إلي نحو 61٪ وهي من أدني النسب في العالم، إذ يبلغ متوسط هذه النسبة أكثر من 22٪. عدم الاهتمام الكافي بالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، وخاصة تلك المقدمة لفئات الدخل المحدود، مما أدي إلي تخلف قدرتهم علي الحصول علي فرص العمل أو زيادة دخلهم. السياسات الاقتصادية الخاطئة التي أدت إلي المضاربة علي الأراضي والعقارات، وتوجيه الاستثمارات إلي أنشطة ربحية لا تحقق عدالة التوزيع أو استدامة النمو، بما أدي إلي استفادة بعض الأفراد دون غيرهم من الشعب. تزايد أرقام الدعم سنة بعد أخري، مع عدم وصوله إلي مستحقيه، مما مكن عددا محدودا من الوسطاء وتجار السوق السوداء من تحقيق ثروات كبيرة بطريقة غير مشروعة، مع تراخي الدولة في محاسبتهم أو إيقاف هذا النزيف الضار. عدم العمل علي شيوع تكافؤ الفرص بين جميع أفراد الشعب، والتقصير في سياسات التمكين الملائمة التي تساعد المرأة وخاصة المعيلة منها، والفقراء من تحسين أحوالهم المعيشية والخروج من دائرة الفقر المفرغة. التفريط في الرقابة والمحاسبة والتوجيه التي هي من الواجبات الأساسية للدولة حتي في ظل اقتصاديات السوق وتشجيع القطاع الخاص. وترتب علي ذلك، تراكم ثروات طائلة غير مبررة لبعض أفراد الشعب، والحاق الضرر بالمالية العامة للدولة وبالفقراء في آن واحد. عدم قيام الأثرياء بدورهم الرئيسي في تحقيق التكافل الاجتماعي بالقدر الكافي. مغالاة بعض الشركات ورجال الأعمال في معدلات الربحية علي أنشطتهم الصناعية والزراعية والتجارية، مما ألهب نار ارتفاع الأسعار، وأفقر أصحاب الدخول المحدودة، في الوقت الذي كونوا فيه الثروات الكبيرة، والمنتجعات المسرفة في البذخ وغيرها. عدم قيام كثير من وحدات قطاع الأعمال بمسئوليتهم الاجتماعية كالتزام وليس كمنحة في مجالات التعليم أو الإسكان، والرعاية الاجتماعية. تهرب الكثير من أداء الضرائب المستحقة عليهم، والتأخر الشديد في ادائها مما لا يمكن الحكومة من القيام بالتزاماتها الاجتماعية بكفاءة. تهريب الكثير من الأفراد للجانب الأكبر من الثروات التي حققوها بمصر، وتهريبها إلي الخارج. عدم التزام جزء كبير من القوة العاملة بسلوكيات العمل الجاد النشط، وركونهم إلي التكاسل وعدم الانتظام في أعمالهم مع اسرافهم في استهلاك المنشطات، وإهمالهم لأولادهم، مما حرمهم من الحصول علي المؤهلات التي تمكنهم من الخروج من ربقة الفقر. إن ثراء بعض الأفراد وفقر البعض الآخر والدولة، وضع غير مستدام، ولا يحقق تماسك النسيج الاجتماعي، وهو مطلب رئيسي لتقدم المجتمع. وعلينا جميعا حكومة وشعبا وأدباء ومفكرين أن نعمل من أجل تحقيق الثراء للجميع حكومة وشعبا، خاصة أن مصر قادرة علي ذلك.