عمرو جلال علي مهبط المطار.. أطاح بالراكبين يميناً ويسارا.. . كأنه في مطاردة بوليسية.. كاد يصطدم بأتوبيس آخر... تساءل راكب عربي "ويش في" ؟،..أجاب من بجواره لا متقلقش.. نورت مصر . البحث عن جريمة تستحق النشر.. معاناة يومية يواجهها الصحفيون في أقسام الحوادث بالصحف الكورية... يقضون معظم أوقاتهم في انتظار أي بلاغ مثير من اقسام الشرطة.. الوضع بالنسبة لهم أشبه بترقب ظاهرة كونية نادرة الحدوث!..... لمدة أسبوع تابعت سير العمل الصحفي بجريدة "تشوسون البو " احدي اكبر الصحف اليومية الكورية.. في قسم الحوادث الصحفيون هناك تحت ضغط كبير.... حالهم صعب للغاية.. معدل الجريمة في هذا البلد هو الاقل عالميا ويتفوق علي مثيله في دول عظمي.. أصابني الاندهاش!.. كيف صنعوا ذلك في بلد يعيش به 50 مليون مواطن داخل مساحة اقل من 100 الف كيلو متر مربع اي مايعادل واحد علي عشرة من مساحة مصر!.. في الشوارع لا تلاحظ أي وجود مكثف لرجال الشرطة... تتساءل هل تحول الكوريون الي ملائكة تمشي علي الارض؟... لاحقا عرفت كلمة السر CCTV.. هي اختصار لجملة انجليزية تعني كاميرات الحماية المدنية التلفزيونية.. .اذا جاز التعبير تغطي تلك الكاميرات كل " "خرم ابرة " في كوريا.. ترصد بالثانية علي مدار 24 ساعة جميع تحركات المارة والسيارات في الشوارع و داخل المباني واسفل الارض حيث انفاق المترو وحتي في اقسام الشرطة لتضمن تعاملا جيدا مع المواطنين..... الجميع بالخارج مراقب.. المكان الوحيد الذي لا مراقبة فيه هو دورات المياه.. مهما حاولت من اساليب جهنمية لارتكاب جريمتك لن تفلت من العقاب.. انت مرصود بالصوت والصورة.. السيارات مزودة بصناديق سوداء عبارة عن كاميرا ومسجل بيانات لسرعة واتجاه السيارة لايمكن التلاعب به.. "فلاش مموري" صغير يضعه الشرطي في السيارة ويعرف كل شئ عن رحلات سيارتك.. وفي حالات التصادم تستخدم لتحديد المخطئ وتغريمه.. .معظم رجال الشرطة منتشرون في أماكن تمركز دقيقة مدروسة بالشوارع تضمن وصولهم لموقع أي حادثة او جريمة خلال خمس دقائق لا أكثر.. يتنافسون الان لتصبح 3 دقائق!!.... اكتشفت بعد ذلك ان هناك اقساما لاستباق الجرائم!!..بمعني الجرائم التي ستقع في المستقبل!.. هل يفتح الكوريون " المندل" او يتعاونون مع السحرة.. ام يستعينون بمؤلف فيلم الخيال العلمي »Minority Report« وبطله النجم العالمي توم كروز الذي كان يقوم فيه بمنع جرائم المستقبل.. ابدا إنهم يستغلون الثورة العلمية الجديدة التي يطلق عليها اسم »BIG DATA« او البيانات العملاقة.. وهو علم حديث يمكن من خلاله استخدام الكم الهائل من الصور التي يتم تخزينها كل ثانية من كاميرات المراقبة وبيانات الجرائم التي وقعت في كل انحاء كوريا طوال سنوات مضت.. يتم بعدها تحليلها عبر برامج متخصصة ولا تكتفي بذلك بل تقوم بالربط بين كل هذا وبين مستوي المعيشة والتعليم داخل كل منطقة وارتفاع او انخفاض درجات حرارة الجو!!. ومن خلال كل ماسبق يستطيع رجال الشرطة التنبؤ بأماكن الجرائم وتوقيت وقوعها ومنعها قبل ان تحدث !!.. ياحكومة غشي الإثنين: الحكومة لا تفعل كل شيء هي فقط تضع سياسات وتراقب تنفيذها.. لان ببساطة خزائنها لاتكفي لعمل كل شيء.. هي ليست ماما و بابا.. الاعتماد الاكبر علي القطاع الخاص واصحاب رؤوس الاموال الصغيرة الوطنية وتنمية استثماراتها هذا هو الحال في كوريا.. كل هذه الكاميرات لاتشتريها الحكومة الكورية.. بل هي مشروعات تكلف بتنفيذها شركات أمنية مدنية استثمارية.. وتحصل هذه الشركات علي مقابل بسيط من كل مواطن يقيم داخل الحي او الشارع الملكلفة بتامينه... هذا العام فقط سرق مني وانا بالقاهرة هاتفان محمولين ولاب توب بآلاف الجنيهات.. لم أجد صديقا او قريبا لي الا وقد تعرض لحادثة مماثلة.. متاكد أن ملايين من المصريين سرق منهم الكثير... فاتورة تلك المسروقات تتجاوز المليارات وهي كفيلة بانشاء نظام مراقبة عالمي.. هذه الكاميرات ونظامها الامني تكلفتها رخيصة مقارنة بنتائجها المذهلة والسريعة والرادعة للمجرمين ودليلها لايحتمل الشك ومجربة في العالم منذ سنوات... "ابوس إيدك" يا اللي بتحط سياسة البلد.. غش من الدولة الشاطرة اللي جنبك.. ده غش مسموح وهو بيقولك غش مني لانه نجح خلاص.. ليس عيبا ان ننقل من دول مجاورة سياسات ناجحة لانهم نقلوا معظمها من دول ناجحة أخري.. أجزم اننا لو طبقنا هذه السياسة الامنية بشكل سليم سنوفر المليارت.. ونحقق الامان المفقود وسينعكس ذلك فورا علي الاقتصاد والسياحة "المضروبتين" وفوق كل ذلك ستفتح مجالات لاستثمارات وطنية في كل حي ومنطقة وستحقق عدالة سريعة لا تحتاج الي مخبرين ومرشدين واساليب اكل الدهر عليها وشرب.. تخيلو في حادث المنصورة الارهابي لم يجد المحققون أي فيديو من مديرية الأمن لحادث الانفجار واستعانوا بفيديو متواضع التقطته كاميرات البنك المجاور. أزمة شنطة الثلاثاء: علي مهبط المطار أطاح بالراكبين يميناً ويسارا.. . كأنه في مطاردة بوليسية.. كاد يصطدم بأتوبيس آخر... سأل راكب عربي من بجواره بلهجة خليجية "ويش في" ؟،..أجاب لامتقلقش.. حمد الله علي السلامة نورت مصر.. جملة قالها وصرخات الراكبين تدوي داخل أتوبيس مطار القاهرة الدولي الذي من المفترض ان ينقل ركاب الرحلة رقم 1303 من الطائرة الي صالة الوصول... بعد دقيقة مثيرة وصلنا الي مقصدنا.. نزلنا واللعنات تلاحق السائق.. لم يكترث كثيرا.. داخل صالة رقم واحد بالمطار تستقبلك سحابة من دخان السجائر.. لا يوجد من يردعك مثل معظم مطارات العالم... 14 ساعة قضيتها طائرا من مطار آنشون بكوريا الجنوبية الي مطار القاهرة.. منهك ومتعب.. ختمت جواز سفري.. . وذهبت لأحضر شنطتي وجدتها للأسف ممزقة كأن شخصا ما قذفها من الدور العاشر.. . المسئولون عن الجمارك كانوا في انتظارنا.. سألني أحدهم "جاي منيين"؟.. أجبت كوريا.. . نظر الي حقائبي كما لو أني اخفي بداخلها كنزا.... اجهزة كشف الحقائب بالاشعة من حولي.. يبدو إنها مكهنة لا أحد يستخدمها.. مفتش الجمارك بدأ يستخدم "حداقته".. ضغط بكلتا يديه علي الشنطة كانما يجري لها عملية تنفس صناعي او كتاجر فاكهة خبير بقلب "بطيخة" ليعرف اذا ما كانت حمرا ولا قرعة.. طلب مني ان افتح الشنطة.. تفقد محتوياتها... علامات السخط علي وجهه لان "مفهوميته" لم تفلح في اصطياد شيء.. تركني ألملم شتات حقيبتي ومن حولي اثنان من الحمالين.. حمد الله علي السلامة يا باشا.. شوفنا بأي حاجة.. أشحت بوجهي.. لحقني أحدهم بعينيه: لو معكش فكة نفكلك.. مشيت ساخطا علي الحال التي وصلنا اليها.. لم أكن اعلم ان الاسوأ قادم.. بعد أن وصلت لمنزلي بالقاهرة اكتشفت أن حقيبة "اللاب توب "قد نسيتها داخل صالة الجمارك... خد نفس عميق وخليك معايا.. في اليوم التالي ذهبت الي المطار.. كي يسمح لك بالدخول عليك ان تحصل علي تصريح تقدم فيه طلبا بصورة محضر الفقد وصورة جواز السفر ومعلومات عن مفقوداتك.. باغتني الموظف المسئول: ختم الوصول في جوازك مش واضح.. طيب وانا ذنبي ايه؟.. بعد مشاورات ومداولات تمكنت من الدخول وفي ادارة المحجوزات والمتروكات اخبروني ان حقيبتي بامان.. الحمدالله الدنيا لسه بخير..عاجلني الموظف: ايوه بس مش هتاخدوها... ليه بس.. اصلك نسيتها في الصالة الحمرا!!.. ودي صالة بيدخلها اللي عليهم جمارك.. قلت له: دي شنطتي ومحتوياتها شخصية ولا وجود لأي اجهزة جديدة بها تستحق الجمارك.. الموظف: لا مش انت اللي تقول روح ادارة الجمارك وهما اللي يقولوا.. هناك اخبروني أن عليَّ الحضور الي نفس وردية ضابط الجمارك الذي قام بتفتيشي ليتعرف علي الشنطة.. بعد يومين ذهبت مرة اخري.. تصريح الدخول اللي معاك انتهي يابيه اعمل غيره.. حاضر!! نفس الاجراءات الطويلة المملة..بعد طول صبر أكرمني الله بالدخول.. في الجمارك اخبرني المفتش انه لايتذكرني و يتذكر فقط حقيبتي المفقودة لكن في نفس الوقت لن يسمح لي بأخذها قبل ان أجلب له من ادارة الحسابات ما يؤكد انني لم ادفع اي رسوم جمركية في يوم الوصول !!..وماله.. زحفت الي مبني عتيق مجاور للمطار.. مكاتب متهالكة وادارات متشابكة تحتاج الي خريطة واربع خبراء لتعرف وجهتك داخلها.. أخيرا وصلت ادارة الحسابات.. اخبرتهم قصتي.. اخرج الموظف المختص دفتر طوله 6 متر.. بلل أصابعه ليتمكن من قلب صفحاته بحثا عن اسمي فلم يجده...قلت له ممكن تديني ورقة بكده.. الموظف :لامقدرش انت لازم تخلي جهة رسمية تخاطبني ارجع ادارة الجمارك وخليهم يبعتوا مخاطبة رسمية.. عدت مرة اخري اليهم.. اخبروني ان المشكلة معقدة.. نصحوني بالذهاب الي ادارة التعريفة الجمركية يمكن ادفع رسوم بسيطة وتخلص.. وماله.. ذهبت الي هناك وبعد الفحص والتمحيص اخبرني ان عليَّ ان ادفع 600 جنيه جمرك لحقيبتي الشخصية!!..رفضت.. وزاد من جنوني أنني سمعت حوارا دار بين اثنين من إدارة الجمارك واخر من المحجوزات قال له الاخير "وانا احلها له ليه ميروح يدفع الفلوس.. وهنا اندفعت نحوه وسالت هذا الموظف ذا اللحية الكثة.. انت عاوز ايه بالظبط ؟.. فاجابني بأغرب إجابة.. انا مزنوق سيبني انا طالع الحمام !!..لا اعرف حتي الآن ما معني ذلك.. تركته وذهبت .. وصل الامر معي الي ذروته .. لم اجد مفرا من الاتصال بزميلي الصحفي محمد عبيد مدير مكتبنا الصحفي بالمطار.. تحدث الي قيادات المطار.. بعدها ارسلوا لي "المنقذ".. أحد العاملين بادارة الجمارك وحاصل علي دكتوراه في ادارة الازمات إي والله دكتوراه !!.. هدأ من روعي وبدء يستمع لقصة معاناتي.. ثم احضر من كل ادارة رجلا!.. وبدأت المباحثات والمداولات.. ثم توصل مع الجميع الي صيغة محضر رسمي اقوم بالتوقيع عليه ومعي كل المسئولين.. واخيرا حصلت علي حقيبتي وتركت خلفي اخرين يعانون من افظع روتين بيروقراطي داخل مطار دولي ومتعلقات بمخازن المطار مازال الورثة يطالبون بها! حكمة الأربعاء: »العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر، ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثر فيها«. نيلسون مانديلا