ان قراءة هذه الشهادة التي دونها ضباط وجنود الجيش الاسرائيلي تجسد المعركة الاسطورية التي خاضها رجال قواتنا المسلحة وشعب السويس، وحالت دون سقوط المدينة. لم تتسع مساحة اليوميات الاسبوع الماضي للنص الكامل الذي تضمنه كتاب »التقصير« الاسرائيلي والذي يتضمن شهادة افراد العدو الاسرائيلي الذين اشتركوا في معركة السويس ورأوا باعينهم هزيمة الجيش الإسرائيلي علي مشارف المدينة، في هذا الاسبوع انشر ما تبقي.. تذكر شلومو عراد، المصور الصحافي: »أطلقوا علينا النار من كل نافذة، ولم يكن هناك منزل لم يطلقوا منه النار. وكان الجرحي ممددين علي الطريق يستغيثون، فانطلق المظليون نحوهم في محاولة لانقاذهم من النيران، فأصيب بعضهم أيضا. وسمعت أيضا صرخات استغاثة من داخل الباصات المصابة. وألقي الجنود المصريون، الذين تحصنوا داخل المنازل، قنابل يدوية علينا دون أي جهد. وببساطة ألقوها من النوافذ. وتمدد الجرحي في وسط الطريق، وأخذوا يتلقون الرصاصة تلو الأخري. وكانت أجهزة اللاسلكي تولول دون انقطاع: »نطلب مساعدة، لم نعد نحتمل أكثر من ذلك..«. وتلقت مصفحة يوسي، قائد القوة، اصابة بازوكا مباشرة. وجرح القائد. وجرح الرجال الذين كانوا معه أيضا أو قتلوا. روي أحد جنود القوة: »في تلك اللحظة، بينما كان اطلاق النار في ذروته توقفنا بالقرب من مبني بدا وكأنه محصن. وقررنا القفز إلي داخل ساحة هذا المبني، لكي نحاول تحديد مصدر النار. وازداد اطلاق النار، وشاهدنا عددا من الجنود المصريين خارجين من المبني، فأطلقنا النار عليهم وأصبناهم، وتمكن بعضهم من الفرار«. ودخل ثلاثة جنود، وهم روني حاخام وآباليبل الذي قدم من كندا ليشترك في الحرب، ودافيد زوهر، إلي المنزل لتطهيره من الجنود المصريين الذين تحصنوا فيه. قال دافيد زوهر: »بدأنا الانقضاض، وإذ بالذخيرة تنفد. وبقي المصريون في الطابق الثاني من المنزل، واستولينا نحن علي الطابق الأول. ثم دخلت مجنزرة أخري لمواصلة المهمة«.. اكتشف المظليون دشمة في الساحة، وألقوا إلي داخلها قنبلة فوسفورية، فخنقهم دخانها. وتم تطهير الدشمة. وعلي الفور واصل المظليون الاندفاع إلي داخل غرف المنزل. وأضاف: »خرج من أحد الغرف ثمانية من رجال الشرطة المصريين رافعين أيديهم، وأخرجناهم من المبني«. أنهت المجنزرة مهمتها في تطهير الطابق الثاني خلال عشر دقائق، بعد ان اصطدمت بجنديين مصريين واصابتهما.
والآن بعد ان أصبح المظليون داخل المبني، لاحظ المصريون ما يجري. وبدأوا يطلقون النار من البازوكا علي الغالب، صوب المبني الذي اتضح للمظليين بأنه مركز شرطة. وروي دافيد: »تطايرت علينا أجزاء من الجدران«. ولكن المصريين لم ييأسوا، فحاولوا تنظيم هجوم مضاد لاحتلال مبني الشرطة من جديد. وخلال الهجوم استطاع جندي مصري التسلل إلي داخل المبني وإلقاء قنبلة، فرآه داني عوزي وأطلق النار عليه من مدي قريب فأصابه. وتمركز المظليون في المبني، وكان الهاتف يدق دون أن يرد أحد. فدخل شرطي مصري، لم يكن يعرف بأن المبني قد احتل، لكي يحذر رفاقه من اقتراب الاسرائيليين، فلاحظه رفيق له، شرطي مصري جريح ممدد علي المدخل، وهو يدخل فلم يحذره من الخطر، بل شجعه، فدخل ووقع في الأسر. كان الجرحي ممددين في الشارع ويستغيثون. وحاول الجنود الاسرائيليون ضرب المصريين المختبئين وراء أكياس الرمل المثبتة في النوافذ. وأخذ اطلاق النار يعربد بكل شدة. كان الوضع حرجا. فقد تكبدت القوة الاسرائيلية عشرات الجرحي، ولم يستطع أحد انقاذهم. ولم يكن بالامكان تأمين مساعدة لهم من قيادة المنطقة الجنوبية.. خيم الليل. وفي الظلام شوهد اللهب يتصاعد من المصفحات الاسرائيلية وفجأة سمع انفجار شديد لخزانات الوقود وانطلقت صرخة قوية من جندي داخل المصفحة التي تلتهمها النيران.
وتتواصل الشهادة من جنود اسرائيلية آخرين ، موضحة الهول الذي وجدوا انفسهم فيه : بدا الخلاص يلوح في الأفق، واستعدت القوة للنوم والحراسة، وفي الليل، وتحت جنح الظلام، تسلل بعض الجنود الاسرائيليين إلي المجنزرات لكي يحضروا منها ما تبقي من ذخيرة ومؤن،حاول دوديك، قائد السرية، وهو أحد الذين احتلوا تلة الذخيرة خلال حرب الأيام الستة، ان يحدد للقيادة مكان وجوده وأمره الجنرال غوبين بالصعود إلي السطح، وان يصف له باللاسلكي ما تشاهده عيناه. وفي غرفة العمليات، تناول الجنرال صورة جوية لمدينة السويس وتابع أوصاف دوديك وفي نهاية جهد استمر وقتا طويلا، استطاع الجنرال تحديد موقع المنزل، حيث كانت الوحدة الاسرائيلية محجوزة فيه داخل المدينة. ومنذ تلك اللحظة الذي أخذ يوجه دوديك وجنوده العشرة بكيفية الخروج من المصيدة وهو يرشدهم باللاسلكي بموجب الصورة الجوية. وفي الساعة الثانية ليلا، انطلقوا في الطريق. وروي دوديك: »صدر الأمر بالسير علي الطريق الرئيسي، حتي الخروج من المدينة، مسافة أربعة كيلومترات. ولكن كان من المستحيل السير علي الطريق الرئيسي، فقد كان مليئا بالقوات المصرية. بدأنا السير ومررنا بالقرب منها. سرنا بهدوء وبينما كنا نسير علي الطريق، وطأنا علي صفائح وقطع من الحديد وحدثت ضجة هائلة، وأخذنا نرتجف من الخوف«. عبرت القوة الأزقة، وسمعت أصوات الجنود المصريين أمامها ووراءها، وفي حالة واحدة علي الأقل مرت علي بعد مترين فقط من الجنود المصريين. وروي رفائيل غفيش: »اعتقد المصريون أننا منهم ولم يسألوا أسئلة«.
اصطدمت أيضا بعض المفارز بجنود مصريين واشتبكوا معهم، وأصابوا بعضهم، ثم واصلوا السير. وسار بعض الجرحي مشيا علي الأقدام. وفجأة أضيء مصباح، فتوقفت القوة الاسرائيلية لحظة. واعتقدوا ان هؤلاء هم مصريون فاقتربوا بحذر واكتشفوا حاملة جنود اسرائيلية وكان رجال المدرعات الذين كانوا في الموقف الذي وصل إليه المظليون، متوترين فقد كانوا يتابعون طوال الليل جهود الانقاذ اليقظة. وأما قائد السرية المدرعة فلم يسيطر علي انفعاله: »يارفاق خذوا سجاير، خذوا سجاير«. وقال آخر: »قلقنا عليكم«. توهج من بعيد مصباح آخر، وقال أحد رجال المدرعات: »عندما تصلون إلي هذا المصباح تستطيعون ان تغنوا وترقصوا«. وواصلت القوة السير حتي وصلت إلي مكان أمين. كانت عقارب الساعة تشير آنذاك إلي الساعة 03.4 فجرا. كبدت المعركة التي دارت في مدينة السويس قوة المظليين الاسرائيلية خسائر جسيمة. ولكن رغم الخسائر وقفت القوة علي مشارف المدينة. وبينما كانت المعركة في مدينة السويس مستمرة مرت القوة المدرعة التابعة لفرقة ماجين علي المحور، الذي يلتفت حول مدينة السويس، وانطلقت فيه حتي ميناء الأدبية ولكن لم يتم احراز هدف الهجوم الاسرائيلي غربي القناة بأكمله.. لم يستطع الجيش الاسرائيلي محاصرة الجيش الثاني في القطاع الشمالي شرقي القناة.