كبريات الصحف العالمية التي نشرت أمس الأول الدفعة الأولي من 250ألف وثيقة سرية، وبالغة السرية، ومحظور الإطلاع عليها، اهتمت بإيضاح المبررات التي استندت إليها كل صحيفة في نشر تلك الوثائق رغم الأخطار الهائلة التي يمكن أن يتسبب فيها هذا النشر. صحيفة »نيويورك تايمز« اعترفت بخطورة الكشف عن مئات الآلاف من البرقيات التي تلقتها الإدارة الأمريكية من جميع سفاراتها في قارات الدنيا الخمس، خاصة خلال الفترة من عام2004 إلي 2010، وهو ما يعني أنها تتعرض لقضايا وأحداث معاصرة، معظم أبطالها »علي قيد الحياة«، مما يعرض بعضهم للخطر من جهة ويفزع من جهة ثانية كل المترددين علي سفارات أمريكا في الخارج، لأن كل ما يتحدثون عنه مع رجال ونساء تلك السفارات بدءاً بصغارهم و وصولاً لمرتبة السفراء أصبح »سداحاً، مداحاً« و عرضة للكشف عنه، ونشره، وفضح أصحابه! قالت الصحيفة الأمريكية أنها حصلت علي الوثائق منذ أسابيع عديدة، وشكلت لجنة من محرريها لمراجعتها، ووضع تقديرات لخطورتها، وحصر الوثائق التي تصلح للنشر واستبعاد ما يتطلب حجبه. وحتي الوثائق التي رأت إدارة »نيويورك تايمز« نشرها، فضلت أن تعرضها علي العديد من كبار المسئولين المعنيين في الإدارة الأمريكية لسماع وجهات نظرهم في النشر أو الحجب. وأجمع المسئولون المعنيون علي خطورة نشر تلك الوثائق، علي الأمن القومي الأمريكي، وعلي علاقاتها مع العديد من عواصم الدول الحليفة والصديقة. ولأن الصحيفة مصممة علي النشر احتراماً لحق القراء في المعرفة فقد قنع المسئولون الأمريكيون بإبداء ملاحظاتهم، وتصويباتهم، علي الوثائق التي تلقوها من »نيويورك تايمز« التي اهتمت بهذه الملاحظات وأخذت بالفعل ببعضها، كما تجاهلت بعضها الآخر عند النشر. كبريات الصحف الأخري التي حصلت علي نفس الوثائق »لو موند« الفرنسية، و»ذي جارديان« البريطانية، و»دير شبيجل« الألمانية، و»El Pais« الإسبانية فعلت ما فعلته ال »نيويورك تايمز«، وأوضحت كل صحيفة مبررات النشر من وجهة نظرها، وإن أجمعت، عموماً، علي أن »الوثائق« فقدت سريتها بعد أن طبعت، ونسخت، وتداولتها الأيدي، وبالتالي فلا عذر لتلك الصحف في عدم إعلام القراء بأهم وأخطر الأسرار التي كشفت عنها أكثر من ربع مليون وثيقة! ونشر »وثائق« وزارات الخارجية في الدول الديمقراطية، ليس بدعة وإنما يشترط مرور عدة عقود علي أحداثها من 25 إلي 50سنة قبل أن تتاح أمام الباحثين والمؤرخين في المكتبات العامة. مشكلة الوثائق التي حظي بها موقع »ويكيليكس« أنها حديثة، ويحظر الكشف عنها، كما يمنع تناولها عبر وسائل الإعلام. ومن هنا جن جنون الإدارة الأمريكية خوفاً علي علاقاتها مع العديد من الدول الحليفة، ومع عدد من الزعماء ورؤساء حكومات العالم. تضمنت الوثائق أوصافاً حادة، غير لائقة، أطلقها مسئولون أمريكيون علي نظرائهم في دول أجنبية. مثل: الرئيس الفرنسي »نيقولا ساركوزي«، و رئيس الحكومة الإيطالية »سيلفيو بيرلوسكوني«، والمستشارة الألمانية »أنجيلا ميركل«.. وغيرهم . وقد لا نتوقف أمام هذه الأوصاف المسيئة للقادة والزعماء الأجانب، لكن من الطبيعي أن نذهل مما سنكتشفه بعد ذلك في تلك الوثائق من تصرفات إدارة أقوي وأغني دولة في العالم مع إدارات الدول الأخري الحليفة معها أو المعادية! الأمثلة علي ذلك كثيرة، ومتعددة: وثيقة تضمنت تكليفات أصدرتها وزارة الخارجية الأمريكية إلي سفارتها لدي الأممالمتحدة في نيويورك، تطلب من دبلوماسييها: »جمع أدق المعلومات الشخصية، بما فيها البصمة النووية، لأقرانهم الدبلوماسيين الممثلين لدولهم في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولدي مجلس الأمن، وكبار الموظفين، ورؤساء اللجان«.. وذلك بحجة »استكمال المعلومات الاستخباراتية«! ومذكرة أخري وصلت للسفارة الأمريكية لدي الأممالمتحدة تطلب »سرعة تزويد وزارة الخارجية بنسخ لقوائم الإيميلات، وكلمات السماح بالدخول للإنترنت، والإنترانت، وأرقام كروت الاعتماد، وأرقام كروت التعامل مع شركات الطيران، وساعات العمل الرسمية لكل العاملين في السفارة من دبلوماسيين وموظفين عاديين«.. وذلك حتي تكتمل المعلومات الاستخباراتية بدون تفرقة بين الأمريكيين وغير الأمريكيين في المبني الزجاجي الشهير للأمم المتحدة في نيويورك. مساحة المقال انتهت، ولم تتسع لأكثر من حفنة سطور من بين ملايين السطور في ربع مليون وثيقة تتخاطفها حالياً أجهزة الإعلام في معظم دول العالم. إبراهيم سعده [email protected]