سيظل نصر اكتوبر حدثا اسطوريا لاجدال.. وسيذكر التاريخ دوما مسيرة هذا الانتصار وسيسطر التاريخ بحروف مضيئة ومتوهجة قصص المقاتلين الافذاذ الذين لقنوا العدو الصهيوني دروسا اصبحت تدرس في الاكاديميات العسكرية في العالم، وستظل هذه المناسبة من كل عام حدثا يستدعي من ذاكرة الامة كل ما هو وطني.. حدثا يفجر في وجدان الشعب بركان الفرحة والسعادة والاعتزاز والكبرياء، يأتي محملا بطاقات وجدانية وروحية بالغة العمق والشعور بلذة الانتصار، لم اتحدث في هذا المقال عن البطولات والكثير منها لم ينشر بعد، ويأتي مقالي هادفا الإجابة عن هذا السؤال »نصر أكتوبر لماذا؟« أشرت من قبل التخلف والثبات الذي أصاب المجتمع عقودا تلي عقود.. وحكومات فاشلة تلي حكومات اكثر فشلاً، ولا أدَّعي بأنني الوحيد الذي يطرح هذه القضية الهامة التي أصبحت كالإسطوانة التي تدور بدون توقف وبالتالي تبث نفس الاصوات، هكذا ما حدث للمجتمع المصري منذ الستينيات ونسمع ونقرأ ونشاهد نفس الابواق التي تتلون مع اختلاف المؤسسات الحاكمة، وعشرات من الأقلام الشريفة لبعض المفكرين العظماء جفت اقلامهم من كثرة التكرار بالصوت العالي حيال خروج مصر من مأزقها الاقتصادي وايضا من نظام التعليم العقيم، ومن الاعلام الذي تسبب في تجريف العقل المصري، ومن الثقافة غير العادلة، ومن فقدان العدالة الاجتماعية، ومن تدهور الزراعة بعد ان افتقدنا سمعة تصدير القطن للعالم، ونهب الاراضي الزراعية وتحويلها الي عشوائيات، وغياب للصناعات الثقيلة واختفاء عنصر التنافس في صناعة احتياجات المواطن المصري، ومضافا الي ذلك غياب البعد السياسي الاستراتيجي باهمال الثوابت الضرورية التي يجب الحفاظ عليها والتمسك بها، وتعظيم دورها وتفعيلها.. فتلاشت الهوية المصرية، ودمرت المدينة بمقوماتها الانسانية والجمالية بفعل انتشار العشوائيات والفوضي وغياب المشروع القومي والوعي العام وثقافة المواطن، كل هذا ادي الي التخلف وانتشار مظاهر القبح والارتجالية المتدنية في شتي مناحي الحياة، هذه المقدمة ضرورية لان الجيش المصري العظيم لم يحقق النصر من فراغ.. الدروس المستفادة من اعداد المقاتل المصري كيف اعد المقاتل نفسيا، معنويا، ثقافيا، عسكريا، انسانيا.. هذه قضية لا تغيب عن احد فالتحول الجذري الذي يحدث للمواطن منذ التحاقه بالقوات المسلحة لاداء الخدمة الوطنية، فالمنهج العلمي التراكمي لتأهيل المواطن ليصبح مقاتلا جسورا ليدافع عن وطنه، يأتي وفق برنامج دقيق تجتمع وتتفاعل منه العناصر المذكورة بعاليه، فالتدريب اليومي والتثقيف وغير ذلك من علوم التكتيك العسكري تتحول عند المواطن وتصبح عادة سلوكية منضبطة من جميع الجوانب.. فمن الدروس المستفادة التي تتأصل عند المواطن عندما يصبح مقاتلا هي »الارادة، الانضباط، واللياقة، الانتماء الوطني، وروح الفداء، والتضحية من اجل حماية الوطن والحفاظ علي كرامته وعزته، الاصرار علي تحقيق الهدف، الشجاعة، الجسارة، حسن التصرف، دروس كثيرة مستفادة تأتي دائما من خلال منهجية واستمرارية في الاداء والتدريب، وبعيدا عن الحرب وفي وقت السلم ينهي المواطن الشاب فترة الخدمة الوطنية وتأتي جملة تعبر بعمق عن هذه المرحلة فيقول »انا عدت الي الحياة المدنية انسانا مختلفا« وبدون ادني شك سينعكس ذلك علي اداء الشباب في مواقعهم وحياتهم العملية مع تنوع طبيعتها، فهل من الصعوبة تأهيل الشعب المصري ليصبح شعبا منتجا ومنتميا وملتزما بواجباته ويطالب بحقوقه، ومنضبطا في حياته.. ويعيش بحرية ويحترم الآخر ويحافظ علي مدينته.. ويمارس حقه السياسي.. الخ، فاذا اخذنا ما يحدث وما يطبق في الحياة العسكرية من حيث المنهج والدلالة سنجد امام انفسنا نموذجا نحتذي به، فغياب المشروع القومي الذي تشارك في تشكيله جميع اطياف الشعب، وغياب الرؤية المستقبلية للمجتمع هي الاسباب الحقيقية لتدهور المجتمع، فما يحدث الان هو تخبط وفوضي عارمة في الشارع وفي كل مكان، والمسئولون من الوزراء والمحافظن بعيدون عن ارض الواقع قابعين في مكاتبهم.. والبعض يمكث في مكتبه حتي ساعة متأخرة من الليل، ولكن ساعة لوزير او محافظ في الشوارع متجولا تساوي شهرا بمكتبه منغمس في تلال من الملفات دون جدوي، واذا نزل المحافظ في الشارع ولم يشعر بكم الفوضي والعشوائيات والتخلف والقبح ويصدر حلولا.. فلا يصلح في هذه الحالة ليكون مسئولا، اذن في النهاية نستطيع ان نؤكد علي ان الجيش المصري حقق المعادلة الصعبة منذ ما بعد عام 7691 علي مدي ست سنوات نصفهم خاص حربا قاسية ضد الجيش الصهيوني ولقنه دروسا لم ينساها تاريخ العسكرية في العالم وتوجت بعبور القناة في اكتوبر 3791 .