حكاية غريبة.. لولا أنني قرأتها منشورة في صحيفتين عالميتين لما صدقت مدي الهبوط المهني الذي تدنت إليه الصحيفتان المذكورتان. بدأت »الحكاية« بوصول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلي الولاياتالمتحدة في زيارة المفترض أنها مهمة ليس فقط علي مستوي العلاقات الثنائية بين البلدين، وبين الرئيسين: الأمريكي والفرنسي،، وإنما مهمة أيضاً بالنسبة للعالم كله خاصة أن المباحثات التي تمت بين الزعيمين تركزت علي »الملف النووي الإيراني« والخطورة البالغة التي يمثلها »التحدي الإيراني« علي الأمن العالمي. وكان المتوقع بداهة أن تتركز التغطية الإعلامية الأمريكية لهذه الزيارة علي ما انتهت إليه من نتائج يهتم الرأي العام بالتعرف عليها، وعلي إيجابياتها وسلبياتها. وإذا كانت بعض الصحف الأمريكية قد قدمت تغطية مهنية جيدة للقاء »أوباما« و »ساركوزي«.. إلاّ أن البعض الآخر من كبريات الصحف ابتكرت »تغطية« غير مهنية، وأبسط وصف لها أنها جاءت »رديئة«، و »سوقية«، و»غير لائقة« لا بالزعيمين ولا بالرأي العام نفسه! والأمثلة كثيرة.. سأكتفي منها بصحيفة واحدة: ال NewYork Post التي اهتمت بإرسال مندوبيها لتغطية المحاضرة التي ألقاها الرئيس الفرنسي في جامعة »كولومبيا«، إلي جانب مندوبيها الآخرين لتغطية لقاء القمة في البيت الأبيض بين الرئيسين: الأمريكي والفرنسي، ثم تمخضت التغطيتان الصحفيتان للحدثين المهمين عما هو أبشع من الفأر! الصحيفة الأمريكية:»نيويورك بوست« معروفة بأنها صحيفة: »يمينية«، »محافظة«، و واسعة الانتشار، لكنها في الوقت نفسه لم تجد ما يُميّزها عن غيرها سوي أن تركز جل اهتمامها علي كشف أدق، وأخطر، أسرار الزيارة لتنفرد بنشرها! ويا لهول تلك الأسرار.. كشفت »نيويورك بوست« سراً رهيباً فشل المحيطون بالرئيس الفرنسي في إخفائه عن تطفل الصحفيين الفضائحيين! وحظي هذا »السبق الصحفي« الذي انفردت به الصحيفة »المحافظة« بمساحة واسعة من صفحاتها الصادرة أثناء وجود الرئيس الفرنسي »ساركوزي« وزوجته »كارلا« في الولاياتالمتحدة. تفاصيل » الانفراد الصحفي« تقول: »إن الرئيس الفرنسي شخصية صعبة المراس، ومطالبه لا تعد ولا تحصي. الدليل علي ذلك كما كتب صحفيو »نيويورك بوست« العظام أنه أمر حاشيته بإحضار آلة صنع قهوة ال »إكسبريسو« علي الطريقة الإيطالية لتكون إلي جانبه خلال زيارته لجامعة كولومبيا، بنيويورك، حتي لا يضطر إلي شرب القهوة الأمريكاني التي لا يطيقها! إلي هنا.. يمكن التهاون مع هذا الخبر الهايف، الذي »لا يودي ولا يجيب«.. بالنسبة للقاريء. لكن »جليطة« كاتب الخبر تجلّت فيما بعد عندما كتب معلقاً، ساخراً، وقائلاً: ».. وكأن ساركوزي يريد أن يؤكد لنا أن زوجته »كارلا بروني« ليست وحدها التي يحبها: ساخنة، وإيطالية!. والأغرب أن صحيفة بريطانية كانت علي نفس خط الصحيفة الأمريكية في السخرية من »ساركوزي«، و»التريقة« علي شخصه وتصرفاته! ففي يوم واحد صدرت الصحيفتان: البريطانية »ديلي ميل«، والأمريكية:»نيويورك بوست« لتتنافسا علي أهمها الأكثر سخرية من »ساركوزي«. الصحيفة اللندنية، واسعة الانتشار ال : »Daily Mail« خصصت صفحة كاملة دون مبالغة لتذكير قرائها ب »قصر قامة« الرئيس الفرنسي ومحاولاته الدائمة، والدءوبة، لصرف نظر المشاهدين عن هذا »القُصر«، وإيهامهم بعكس الحقيقة! وكما انفردت »نيويورك بوست« بآلة صنع »إكسبريسو« الساخنة، الإيطالية التي لم تفارق »ساركوزي« في أمريكا، انفردت الصحيفة البريطانية بأن الرئيس أحضر معه من باريس ما تستند إقدامه عليها تحت مكتبه، ليقف فوقها أثناء إلقاء محاضرته أمام أساتذة وطلاب جامعة كولومبيا، وفي المؤتمرات الصحفية، لتطول قامته في عيون المشاهدين! وكما فعلت الصحيفة الأمريكية، حرصت الصحيفة البريطانية علي التعليق علي ما انفردت به فكتب محررها الرصين، الرزين، قائلاً: »لم يستطع ساركوزي أن يقف فوق مسند قدميه أثناء استقبال أوباما له، وبالتالي فقد ظهر قصيراً جداً إلي جانب الرئيس الأمريكي بطول »1.89سنتي«! وذكرت الصحيفة قراءها بأن »ساركوزي« سبق أن وقف علي »دواسته« المتنقلة معه عبر قارات الدنيا الخمس خاصة خلال زيارته للندن عام 2009 حيث ظهر في المؤتمر الصحفي أطول بكثير من رئيس الحكومة البريطانية: »جوردون براون«! وأنهي كاتب ال »ديلي ميل« مقاله المهم مؤكداً أن البعض قد يتصور أن »ساركوزي« بعد أن نجح في اقتناص واحدة من أجمل نساء العالم، قد أصبح هانئاً، وراضياً، وقانعاً.. لكن الحقيقة أن قُصر قامته لا يزال يحرمه من هنائه، ورضاه، وقناعته!