في غُرة فبراير 2011 وقف مبارك خطيباً بعد طول انتظار من الشعب المصري ليخبرهم أنه " إما أنا وإما الفوضي "، هكذا كان مبارك يُصور للناس أنه بوجوده يتحقق الأمان وبغيابه سيضيع، إن هذا التصور الذي أراد مبارك ونظامه أن يبثوه في نفوس المصريين لم يكن إلا تصوراً مخضباً بالتخويف من الدم والهلاك، وحين خلت كل الشوارع المصرية من الشرطة تحول كل المصريين إلي أكبر وزارة داخلية في العالم يحمون بيوتهم وأملاكهم وذويهم ، وأعلن الشعب المصري سقوط رهان مبارك ونظامه علي سيلان الدم المصري ولم تتحقق الفوضي المؤدية إلي الدم. وفي الثالث من يوليو 2013 وقف مُرسي بعد الانفجار الشعبي ضده في 30 يونيو قائلاً " إذا كان الحفاظ علي الشرعية ثمنه دمي أنا...فهو حسبة لله " ويوصي المصريين بعدم الانجراف والمحافظة علي الجيش وأنه يريده أقوي جيش، وأنه يريد الحفاظ علي الأولاد والبنات والنساء، الشرعية ثمنها الدم وضرورة الحفاظ علي الأولاد والبنات والنساء والمحافظة علي الجيش ، كل هذه التحذيرات المُبطنة والمُعبئة برائحة الدم في الوقت الذي وقف فيه انفجار بشري في الشوارع اعتراضاً علي حكمه وتدخل الجيش استجابة لإرادة شعبه وعُزل الرئيس وهان علي الجيش وقادته رهانات الدم. تجمع أنصار الرئيس المعزول أمام مسجد رابعة العدوية وأمام جامعة القاهرة، يتكلم من داخل الاعتصام "البلتاجي" مُخبراً العالم أنه ستتوقف العمليات الإرهابية في سيناء إذا عاد الرئيس مرسي ، ويتحدث بعض الموجودون في الاعتصام عن إنشاء القاعدة في مصر وطالبان جديدة بمصر وأن السيارات المُفخخة والأحزمة الناسفة ستعود من جديد إلا إذا رجع الرئيس المعزول إلا أن الملاحظ أن المصريين لم يتأثروا معنوياً أمام تهديدات التخويف بالموت والدم. وفي ختام زيارة السناتور الأمريكي "جون ماكين " للقاهرة ، "والذي تملأ شبكات التواصل الاجتماعي صورته مع ما يسمي الجيش الحر بسوريا "، يخبر المصريين والعالم أنه إما حل سياسي ودبلوماسي للأزمة وإما أن مصر تقترب من حمام دم شامل ، وفي نفس السياق يتم تسريب اسم السفير الأمريكي السابق بالعراق وسوريا "روبرت فورد " ، الملقب بالرجل الناري ، حيث تحوم حول هذا الرجل تقارير عن علاقته بما يجري في العراق وسوريا من اضطرابات وقتل ودم ، إلا أن هذا الرهان المبشر بالدماء والذي يحمله "ماكين " وتسريبات قدوم الرجل الناري لم تفلح مع المصريين. بعد انصراف "ماكين " ووفود حجاج أوروبا وأمريكا لمصر ، ثار الجدل حول عدد الضحايا ، وكيف أن سيلان الدم سيقلب الموازين ، وكانت المخاوف غير المعلنة من جانب الجيش والشرطة والحكومة في انقلاب الناس ضدهم في حال تم الفض بخسائر تم تقديرها بعشرة آلاف قتيل علي الأقل ، وكان التيار الديني القابع في رابعة والنهضة يراهن علي تعاطف جموع المصريين معه بسبب الدم ، وتمني المصريون البسطاء برغم كل التهديدات بالعمليات الإرهابية الآتية من رابعة والنهضة أن لا تسيل دماء المعتصمين ، ولكن بالنهاية كانوا يرون أن فض الاعتصام شرا لابد منه ، إن سيلان الدم بأعداد محدودة "مع ضخامة حجم الاعتصام " برغم أهمية دم فرد واحد، لم يرهب المصريين ولم يجعلهم يتحولون لصالح المعتصمين، تسمع الناس يتحدثون عن حرمة الدم ، ولكن يتبعون هذا الكلام بصعوبة استمرار الوضع بهذين الاعتصامين ، وأن البلد متعطلة ، إنه الوطن. في الأخير لم تفلح رهانات الدم مع المصريين ، فهذا الشعب البسيط الذي عاش عهوداً من الإفقار والعوز لاستدامة السيطرة عليه ربما يصبر علي الفقر وربما يصبر علي شظف العيش وربما يصمت علي حاكم ظالم مستبد ،ولكن هذا الشعب حين يستحضر قضية الوطن والإحساس بالخطر، ليس علي نفسه، وإنما علي مصر، تهون أمامه كل الرهانات التي تبشره بحمام أو بحر دم شامل.