الدعوة : دعانا الله لبينا.. فزعنا من بلادتنا وغفلتنا ولبينا.. ورغم عناكب الصمم التي تغشي كوي الوجدان أصغينا.. ورغم تراكم الأصوات من زمن علي قنوات أذنينا.. أصغنا السمع أجمعه ولبينا.. نهضنا من ذهول راحل كالصمغ في اطرافنا اليسري وفي أطرافنا اليمني.. ومن غيبوبة كالثلج خلف جباهنا ثبنا.. ومن إغماءة منقوعة في وعينا أبدا تعافينا ولبينا. تماثيل من الملح المجمد في قري »عاد«.. من الرمل الممدد في سواحلها.. من الاسمنت تحت سقوفها كنا.. تماثيل من الاسفلت فوق رصيفها سرنا.. تماثيل مميكنة توالدنا.. تقلدنا السبائك ثم دون رخامة الذات التي فيها تربينا تمرَّينا.. وكانت ذاتنا المرآة والسكني.. إلي أن جاءنا الصوت الذي من حيث لا ندري له »أينا«. تعرينا من الاحجار تلبسنا.. تخطينا حدود متاهة الفأر التي فيها تبارينا.. وأنهينا حماقات المبارزة الغبية بين زندينا.. هربنا من حصار عقارب الساعات.. من تحت البنايات المقامة فوق كتفينا.. قفزنا فوق سور الغابة السرداب داخلنا.. خرجنامن زمان دائر فينا كما الترس المسنن مثل بندول صدئ كلما أفضي إلي عموده »أنَّا«.. كأحجار الرحي لا ترعوي طحنا.. تقشرنا من الآثام والادران واندحنا بعرض الارض نمنح خضرة العشب المصفف فوق اصداغ الربي اللون. فقسنا من شرانقنا فراشا ابيض كالحب واختلنا بزيًّ البعث لبينا.. بزغنا من طحالبنا.. ومن قيعاننا عدنا.. طفونا فوق سطح الدهشة الأولي.. وسافرنا علي ظهر القماط الي المشيمة نطلب التاريخ أوله.. ونشهد مطلع المعني.. ونسأل عن خريطة عيني الطفل الذي في رحلة الايام ضيعنا.. دعانا الله لبينا.. وكان الوجد مطمورا بداخلنا رمادا باردا كالموت عرينا حرائقه وقاسينا.. وذابت ناره فينا وصرنا غيمة تغلي حوالينا.. تصاعدنا.. تبخرنا.. تسامينا.. دعانا الله لبينا. الطريق: دعانا الله.. فتنا كل ما في العالم اليومي من دنيا تعللنا أمانيها.. سحبنا كفنا المسكوب في إبريق أيديها.. سلخنا جلدنا منها.. وقطعنا الشرايين التي كانت تغذيها.. وأحكمنا رتاج شفاهنا عنها.. فلا ريقُ لا أثمار بها نهفو ولا ارجُُ نحن له ترشرشه روابيها.. ولملمنا قلوع السفن في لهف.. وغادرنا علي عجل موانيها.. دعانا الله.. جاءت دعوة الرحمن.. ما عشنا اذا لم نترك الدنيا خفافا كي نلبيها.. بعثنا من رفات عروقنا.. نجري علي الطرقات طوفانا فنجريها دماءً ترتجي القلب الذي في صدر ارض الله يؤييها.. بعثنا من محاجرنا لترصدنا علي كل الدروب اليك يا »مكة«.. من الخلجان والبلدان قاصيها ودانيها.. قوافل كالمسابح لا تعد لها يواقيت ولا تحصي لآليها.. بعثنا من مسامعنا حروفا تائهات تطلب السطر الذي هبطت عليه عبارة الرحمن يلضمها ويمنحها معانيها.. ويمنعها الأسي والهم و»التيها«.. بعثنا من حواس الغربة المثلوجة الاطراف داخلنا.. بعثنا من منافينا.. فإن الملتقي فيها.. أيا »أم القري« نسعي علي قدمين من شوق ومن وجد.. فمدي للجموع الشعث كفك كي تقبلها وضميها. الصحبة: دعانا الله لبينا.. وصرنا واحدا في الله.. حنجرة مضفرة تجمع من رئات صدورنا لحنا يلبي الله.. عمودا من النفس الممدد ينحني بالعشق لاسم الله ممتنا.. وتنهيدا طويلا خلته لا ينتهي.. في حرة ذبنا.. أريجا من غناء شاهق المعني.. وصار الشوق راحلة محلقة منحناها جناحيها ورفرفنا.. وشالتنا كفوف السحب حالمة فلا أحلي ولا احني.. فكنا صحبة من نورس شاد.. وسربا من سنونو اشقر غني.. دعانا الله لبينا. البيت: دخلنا البيت.. لا بيت لنا إلاه.. وكل بيوتنا وهم.. حوائط من صدي ناء.. وأعمدة مشيدة علي ماء.. وسقف مثل ظل حصاه. ويبقي الحق بيت الله.. ويا الله قد جئنا فأين نحط حمل الذنب حمّلناه.. وأين نزيح عن اضلاعنا الاثم الذي دهرا تنفسناه.. وكيف نمر من »باب السلام« ونصفنا قتلي ونصف القادمين جناه.. وكيف نصافح »ابراهيم« والنمرود في اعماقنا تياه.. وكيف نعب ماءك »زمزما« عبا و»هاجر« بين مرواها هنالك والصفا تسعي.. وكل سادر في غيه مسعاه.. ولكنا تقدمنا.. وجرجرنا خطانا من خطايانا.. ونكسنا الرؤوس وكلنا متشابه المأساة.. وطفنا مثقلين بهمنا حتي توحدنا واطراف الوجود جميعها في قبلة وصلاه.. وطفنا والقلوب تطوف والخفقات والعمر الذي عشناه.. وطفنا والدماء تطوف طي عروقنا ورعا طواف حياه.. وطفنا مثلما طافت نجوم الكون حول سناه.. وطافت بنية الذرات حول نواه.. وطفنا مثل موج البحر يمخر في عباب البحر حول جزيرة الامل الذي نصبو الي مرفاه.. وكان المد يأخذنا وكل ترتجي كفاه.. وكل آثم دمه يفكر في اهتبال نجاه.. وكل دمعه ينساب في فج عميق بين صحرا يأسه الجردا وروض رجاه.. وطفنا والملائكة الكرام تطوف اعلانا هناك ببيته المعمور.. والتسبيح موصول يضمد ارضه بسماه.. فلا رب هنا وهناك غير الله.. ولا معبود الا الله.