يعتبر الفول البلدي من أهم المحاصيل البقولية الغذائية الشتوية في مصر نظرا لاحتوائه علي نسبة مرتفعة من البروتين تصل إلي 30٪ بما يجعله مصدرا مهما للبروتين الرخيص خاصة للطبقات الشعبية عوضا لهم عن نقص البروتين الحيواني المرتفع الأسعار. ويعتبر الفول ثاني أهم المحاصيل البقولية في مصر بعد البرسيم، ويستعمل تبن الفول (التبن الأسمر) في تغذية المواشي خاصة عجول التسمين لارتفاع نسبة البروتين به. وكانت مصر خلال حقبة السبعينات تعد ثالث أهم مركز إنتاج الفول في العالم بعد الصين وإيطاليا، وكانت تأتي قبل كل من أسبانيا وإنجلترا. وخلال السنوات العشر الماضية حدث تناقص كبير في المساحة المزروعة بالفول، وعزت وزارة الزراعة ذلك إلي انخفاض أسعار بيعه ونقص العائد علي المزارعين من زراعته بالمقارنة بعائدهم من البرسيم والقمح وبنجر السكر خلال الموسم الشتوي إلا أن وزارة الزراعة لم توضح أسباب عدم عودة المزارعين إلي زراعته وهو من المحاصيل البقولية المهمة للإنسان ولخصوبة التربة علي الرغم من انخفاض العائد علي المزارعين من زراعتهم للقطن وبنجر السكر والقمح خلال الفترة من 2005 وحتي 2010. وتشير التقارير الصادرة من قسم بحوث المحاصيل البقولية التابع لمركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة إلي أن تفشي الإصابات الفيروسية لنباتات الفول البلدي خاصة في محافظات مصر الوسطي أدي إلي تدهور متوسط إنتاجية الفدان في هذه المحافظات إلي 1.42 أردب أي نحو 220 كيلو جراما فقط للفدان (أردب الفول 155 كيلوجراما)، كما انخفض المتوسط العام لإنتاجية الفدان في جميع المحافظات إلي 3.52 أردب (545 كجم)، بما أدي إلي عزوف مزارعي مصر الوسطي عن زراعته وانخفضت مساحاته إلي 190 ألف فدان فقط بدلا من نحو نصف مليون فدان في السابق. وترجع أسباب تدهور زراعات الفول في مصر إلي عدم العناية بمقاومة الأمراض التي أصابت الأصناف القديمة من الفول والتي أدت إلي انهيار إنتاجيتها خاصة مرض الندوة العسلية والإصابات بالمن والبياض علي الرغم من أن المناخ الشتوي لزراعات الفول يساعد علي سهولة المقاومة. لم تنجح الوزارة في إقناع المزارعين بالتوسع في زراعات الفول البلدي خلال مواسم 2004- 5002 - 6002 رغم الانخفاض الشديد الذي أصاب أسعار القمح في الأسواق المحلية والدولية وتفضيل المزارعين الاتجاه إلي زراعة بنجر السكر والقطن والابتلاء بالمزيد من الخسارة بسبب زيادة المساحة المزروعة ببنجر السكر عن سعة مصانع البنجر وكذا بسبب انهيار أسعار القطن إلي أقل من 550 جنيها للقنطار بدلا من 1100 إلي 1300 جنيه للقنطار. ثم يأتي بعد ذلك تفشي حشائش الهالوك بشدة في أراضي زراعات الفول والتي تنافس بشراسة نباتات الفول في الحصول علي الغذاء من التربة وتفوقه في كفاءة استخلاص العناصر الغذائية بما يؤدي إلي ضعف المحصول ونقص العائد النقدي من زراعة الفول. يضاف إلي ذلك أن سياسات تربية النبات واستنباط الأصناف عالية الإنتاجية من الفول والمقاومة للأمراض وحشائش التربة ليست علي المستوي المأمول والذي تسير عليه تطوير أصناف القمح فالزيادة التي تحققت خلال الثلاثين عاما الماضية لم تحقق زيادة ملموسة في إنتاجية الفدان من الفول كما أن برامج التربية فشلت في استنباط الأصناف المقاومة لحشائش الهالوك والأمراض الفيروسية وهما من الأسباب الرئيسية في تدهور إنتاجية محصول الفول. ومن أهم اسباب عدم العناية بزيادة إنتاجنا من الفول يرجع إلي انهيار أسعار تسويق الفول بسبب التوسع في استيراد أصناف رخيصة وطرحها في الأسواق المصرية. وأخيرا يأتي عدم قدرة مديريات الزراعة علي تغطية المساحات المستهدف زراعتها بمحصول الفول البلدي بالتقاوي المعتمدة عالية الإنتاجية نسبيا من الزراعة ولجوء المزارعين إلي استخدام تقاوي الفول المتوافرة بالأسواق ومحال التجزئة في الزراعة مع عدم الاطمئنان إلي قدرتها الإنتاجية أو مقاومتها لحشائش الهالوك أو الأمراض الفيروسية والمن والندوة العسلية. تبني دراسات الاكتفاء الذاتي من الفول البلدي بناء علي تقديرات فرضية لوزارة الزراعة بأن متوسط استهلاك الفرد من الفول البلدي في مصر نحو 6 كيلو جرامات في السنة وبالتالي يكون إجمالي الاحتياجات السنوية الحالية في مصر لعدد سكان مقيم بالفعل داخل مصر (بخلاف العاملين بالخارج) يبلغ 75 مليون نسمة نحو 450 ألف طن، وبالتالي يكون إجمالي احتياجاتنا السنوية من الفول يمكن أن يأتي من زراعة مساحة 300 ألف فدان طبقا لمتوسط إنتاجية الفدان في مصر والتي تقدرها وزارة الزراعة بطن ونصف للفدان. والحقيقة أنه يفضل الوصول بهذه المساحة إلي 500 ألف فدان سنويا لتوفير فائض استراتيجي من المحصول في السوق المحلي يعمل علي ضبط الأسعار في أسواق التجزئة. ويمكن لمصر أن توفر بكل سهولة هذه المساحات اللازمة لزراعة الفول من خلال عدة خطوات أهمها التعاقد المسبق مع المزارعين في الوجهين القبلي والبحري علي استلام المحصول منهم بأسعار مجزية ودفع مقدمات التعاقد اللازمة لتوفير السيولة اللازمة للمزارعين لشراء التقاوي والأسمدة ومستلزمات الإنتاج. ثانيا تسليم المزارعين المتعاقدين مع الدولة لهذه الزراعات علي حصتهم كاملة من مختلف أنواع الأسمدة وخاصة الأزوتية منها بما يشعر المزارعين بخدمات الدولة له من أجل زراعته الهامة وكذلك توفير التقاوي المعتمدة من وزارة الزراعة المصرية والتي تكفي لكامل زراعات مساحات الاكتفاء الذاتي وتسليمها للمزارعين في الموعد المناسب وقبل الزراعة بفترة كافية، مع العمل علي استيراد بعض أنواع التقاوي المنتقاة من الخارج والتي تتميز بغزارة المحصول وقصر موسم النمو وتحملها للأمراض الفيروسية ومقاومة حشائش الهالوك. ثالثا تشجيع زراعة الفول في المناطق الجديدة والمستصلحة والتي مر عليها ثلاث سنوات في الزراعة خاصة مناطق النوبارية ومديرية التحرير ودير الملاك ورمسيس (شرقية) ومناطق التوسع في مصر الوسطي لمناطق غرب بني سويف وغرب المنيا وأسيوط وبعض مراكز محافظة الفيوم إضافة إلي أراضي مصر العليا في محافظات قنا وأسوان وسوهاج، ثم اعتماد مبالغ إضافية لدعم برامج مركز البحوث الزراعية لاستنباط أصناف جديدة من الفول تتميز بغزارة الإنتاج وقصر موسم النمو ومقاومتها للأمراض الفيروسية ومقاومة للحشائش بما يوفر هذه السلالات للدولة خلال فترة من سبع إلي عشر سنوات. كما يجب تشجيع زراعات الفول بين صفوف أشجار مزارع البساتين والفاكهة خاصة تلك الزراعات الصحراوية الجديدة والتي تقل أعمار الأشجار بها عن خمس سنوات. رابعا زراعة الفول محملا علي القصب الغرس في محافظة المنيا ومحافظات مصر العليا بما يساهم في زيادة دخول المزارعين واستفادة الدولة من محصول الفول والحصول علي محصولين من نفس المساحة. كاتب المقال : أستاذ بكلية الزراعة جامعة القاهرة