من أين تأتي الأوراق؟ من أشجار الغابات. والواقع انها أصبحت في تناقص مستمر لسببين: أولهما اضطراب الطقس الذي لم يعد يزودها بالأمطار اللازمة والثاني: التجريف المستمر لها من جانب شركات الأخشاب العملاقة. أما المنافس الأقوي للأوراق فيتمثل في الأسطوانة المدمجة التي أصبح من الممكن ان تستوعب ملايين »وليس آلاف« الصفحات بعد ان كان يتم تكديسها في مجلدات. ومؤخرا أعلنت حكومة المحافظين في بريطانيا عن نيتها لاغلاق بعض المكتبات العامة من الأحياء. لماذا؟ لان روادها أصبحوا قلة، وثانيا لانها تشغل حيزا يمكن استغلاله في مشروعات استثمارية أخري تعود علي الأحياء والحكومة بالفائدة. وليس معني هذا ان الانجليز يحاربون الثقافة والعلم، كلا لكنهم يقولون: ان عصر الأوراق قد انتهي، وحل محله عصر الكمبيوتر. أما الصحف والمجلات فإن مستقبلها غامض، ومصيرها فيما يبدو محتوم. والدليل علي ذلك ان بعض الصحف العالمية قد أغلقت، والكثير منها بدأ يرضخ لضغط عصر المعلوماتية فراح ينشر مادته الصحفية علي الانترنت ليطلع عليها من يشاء دون مقابل. وقد تسألني: من الذي يقرأ الصحف اليوم؟ وأجيبك بأنهم عشاقها القدامي الذين ارتبطو بها عاطفيا، وليست لديهم الوسائل والإمكانيات لمتابعتها علي شبكة الانترنت. وهؤلاء بالطبع سوف يختفون بعد جيل أو جيلين علي أكثر تقدير، لان الشباب الصاعد لم يعد يرتاح إلي قراءة الأوراق، وأصبح يفضل عليها الجلوس بالساعات أمام شاشة الكمبيوتر. لكن هل يعني هذا ان مستقبل القراءة مظلم؟ كلا علي الاطلاق فالمسألة تتعلق باختلاف الأدوات والوسائل تبعا لتعاقب العصور. وبيان ذلك ان الثقافة في عصر المشافهة كانت تعتمد علي الحديث والاستماع المباشرين، بدون وسيلة كتابة، ثم جاء بعد ذلك عصر المخطوطات المكتوبة باليد، ثم تلاه عصر الكلمة المطبوعة بالحبر. ونحن في هذه اللحظة نشهد انحسار هذا العصر، ولا عزاء للمتمسكين به مهما عارضوا أو انفعلوا؟ ولماذا نذهب بعيدا: في مصر حاليا جريدة خاصة انشأت لها موقفا علي الانترنت، وأصبح عدد زوار موقعها الالكتروني يتجاوز بمئات المرات عدد من يقرأونها!! هذا فقط مجرد مثال. أما الأروع فهو انني حصلت منذ فترة علي اسطوانة مدمجة تحتوي علي مليوني بيت من الشعر العربي. وتخيلوا معي كيف كنت أحصل علي الدواوين التي تضم مليوني بيت من الشعر؟ وما حجم مكتبة المنزل التي يمكن ان تتسع لها؟ والخلاصة ان عصر الأوراق يتراجع ليحل محله عصر آخر.. علي شاشة الكمبيوتر. كاتب المقال : نائب رئيس جامعة القاهرة السابق