شاهدنا في الأيام الأخيرة الماضية عددا من الأفعال الانتقامية التي يمارسها بعض الأفراد والأهالي قي المناطق السكنية المختلفة ضد بعض المتظاهرين أو اللصوص او مرتكبي جرائم التهديد والتعدي علي السكان او الأماكن العامة . وقد تجد هذه الأفعال الانتقامية العنيفة للوهلة الأولي القبول من البعض منا باعتبارها عقابا رادعا لمن تسول له نفسه مخالفة القانون وتهديد امن المنشآت والسكان وبث الخوف في نفوسهم . ولكن إذا تمعنا النظر و التفكير في هذه الأفعال نجد انها هي في حد ذاتها تعد خرقا للنظام العام وخروجا علي ما يقضي به الدستور الجديد 2013 والقواعد الواردة في قانون الإجراءات الجنائية المستقرة عالميا والتي وضعها المشرع المصري لترعي مصلحتين: مصلحة المجتمع في الإسراع بتوقيع العقوبة العادلة التي قد تختلف من فاعل إلي آخر تبعا لدوره فيما ارتكب من جرائم، ومصلحة المتهم من جانب آخر في كفالة حقه في الدفاع عن نفسه وفي تمكينه من توضيح دوافعه والظروف التي أدت إلي ارتكابه هذا الفعل، وعما إذا كان مكرها ومجبرا علي هذا الفعل دون توافر الادراك الكامل لتوابع ما يرتكبه من جرائم من عدمه، فكما نعلم قد يشارك في المظاهرات وارتكاب بعض الجرائم أطفال او قصر، وقد يكون المخطط والمحرض الرئيسي لارتكابها غير موجود في مكان ارتكاب الجريمة ويعمل في الخفاء. فلا حاجة للقول قانون الاجراءات الجنائية يحدد ما يجب اتباعه من اجراءات تتخذ عند وقوع جريمة معينه تتمثل في كيفية ضبط المتهم وحقوقه عند القبض علية وتفتيشه الشخصي او تفتيش منزله، ثم يحدد ضوابط التحقيق وقواعد الحبس الاحتياطي وكيفية السير في إجراءات المحاكمة وصدور الحكم وتنفيذه . وما يجب التأكيد عليه ان هذه الاجراءات ووضعت بالشكل الذي يضمن عدالة العقوبة من جانب، والمحافظة علي الكرامة الانسانية للمتهم من جانب لآخر. وقد جاء دستور مصر الجديد 2012 ليؤكد بنص صريح علي انه لا يجري التحقيق مع المتهم إل في حضور محاميه، فإن لم يكن ندب له محام كما وفر ضمانات دستورية لكرامة الإنسان فنصت المادة 31 علي ان الكرامة حق لكل إنسان، يكفل المجتمع والدولة احترامها وحمايتها ولا يجوز بحال من الأحوال إهانة أي انسان أو ازدراؤه. وأوردت المادة 36 من الدستور أيضا أن كل من يقبض عليه أو تقيد حريته بأي قيد، تجب معاملته بما يحفظ كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا ايذاؤه بدنيا او معنويا وان مخالفة شئ من ذلك جريمة يعاقب مرتكبيها، وفقا للقانون. وهكذا فإن أعمال العنف وإهدار كرامة المتهمين التي يقوم بها بعض الأفراد والأهالي سواء ضد المتظاهرين او مرتكبي الجرائم المختلفة وتعذيبهم وإهانتهم تعد جرائم معاقب عليه قانونا و تحط من كرامة الإنسان المصري مما قد ينعكس سلبا علي قيمة الانسان المصري دوليا . بل وأن مثل هذه الأعمال ترسخ المفاهيم الخاطئة السائدة عن الاسلام ودعمه للعنف وعدم احترام القوانين والدساتير الوضعية والمبادئ المستقرة عالميا المتعلقة بالعدالة والمحافظة علي الحريات و الحقوق الانسانية .ومن هنا نأمل مزيداً من التوعية وإعادة الثقة في سلطات الدولة بصفة خاصة الأجهزة الأمنية لتقوم بدورها في إعمال القانون والدستور .