قبل انتخابات مجلس الشعب الأخير عام 2010، وهي آخر انتخابات قبل الثورة، ثار الجدل بين القوي السياسية حول جدوي المشاركة في الانتخابات العامة. حينها، دعت "الجمعية الوطنية للتغيير" التي كان يرأسها د. محمد البرادعي لمقاطعة الانتخابات، فاستجاب لها حزب "الكرامة" الذي يرأسه حمدين صباحي وحزب الجبهة الديمقراطية وبعض الحركات الاحتجاجية فيما قرر الإخوان المسلمون وأحزاب الوفد والتجمع والعربي الناصري والغد (أيمن نور) وأحزاب أخري المشاركة في الانتخابات. يومها، كانت مبررات المقاطعة أن: - الانتخابات لن تعبر عن إرادة الشعب في ظل غياب الإشراف القضائي وضمانات النزاهة. - وهي تضفي الشرعية علي النتائج المزورة المقررة مسبقًا. - المقاطعة الفعالة إحدي أهم وسائل الضغط، وهي تكشف النظام أمام العالم. - المشاركة بلا ضمانات تُحوِّل الانتخابات إلي مجرد ديكور. - المرحلة تقتضي تغيير قواعد اللعبة، لا مجرد التفاوض حول تحسين شروطها. - المشاركة السابقة لم تغير شيئًا في النظام ولا البرلمان.. ولا الشعب، فالأغلبية المزورة تقر القوانين التي تريدها. - الأولي إدخار الجهد وتوجيه الطاقات لمحاربة الفساد. - انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري التي تم تزويرها بالكامل ليست منا ببعيد.. أما أنصار المشاركة فقد رأوا أن: - المشاركة تحقق أمورًا منها إعلاء قيمة الإيجابية في المجتمع، وممارسة الشعب لحقوقه الدستورية والقانونية، والتصدي للفاسدين والمفسدين، وعدم ترك الساحة لهم بدون حسيب ولا رقيب، وتعظيم الإرادة الشعبية للأمة، وترسيخ سنة التدافع. - مواجهة التزوير واجب وطني، وحق دستوري، وتوجيه شرعي ومسئولية الشعب والقوي الوطنية. ومن المتوقع أن تُحدثَ الانتخابات تغييرات جذرية، تستوجب حركة كبيرة لمواجهة مدمني التزوير. وكون أننا ابتلينا بالتزوير لا يعني الاستسلام له، بل مضاعفة الجهد للتخلص منه. - من المهم تنمية دوافع المشاركة، وهي عملية تربية سياسية طويلة المدي، تختلف عن نهج بعض القوي السياسية الأخري التي تعتمد علي تسخين الشارع ولو مؤقتًا. إن المشاركة الشعبية الإيجابية تحول دون ارتكاب التزوير وممارسات الإرهاب الأمني للناخبين والمرشحين. فالانتخابات هي الطريقة الوحيدة التي يمكن بها حشد الجماهير سلميًا لتؤكد وجودها وقوة تأثيرها. - الانتخابات فرصة لتحريك الوضع السياسي العام، وتفعيل الجماهير، ونتاج هذا التحريك أن يكتسب الشارع مزيدًا من القدرة علي المواجهة، وكشف تعنت النظام ضد خيارات الشعب. - المقاطعة لن تؤدي إلي توليد ضغوط محلية أو دولية تكفي لإجبار النظام علي إعادة حساباته. - المقاطعة الفعالة يجب أن تشارك فيها كل القوي الرئيسة، وهو ما لن يحدث بعد أن قرر عدد من الأحزاب المشاركة. - المقاطعة لن تجبر النظام علي تقديم ضمانات نزاهة الانتخابات. - كيف نحث الشعب علي التغيير والدفع باتجاه الإصلاح وفي الوقت نفسه ندعوه لمقاطعة الانتخابات؟! - النضال السلمي يجب أن يتواصل ولا ينقطع، يقوي ولا يضعف، وذلك لا يكون بالمقاطعة بل بالمشاركة الفاعلة. - الصحوة السياسية التي يحياها المواطن المصري الآن، والثورة الكامنة الموشكة علي الانفجار، هي نتيجة حراك سياسي طويل استمر لسنوات. -عدم الدخول في المجالس النيابية مع القدرة والاستطاعة؛ وتركها لمن يسخرونها لمخالفة الشريعة واستلاب حقوق الضعفاء والمحرومين ينافي مقاصد الشرع الذي جاء للعمل علي تحقيق العدالة والمساواة، ورفع الظلم والقهر والتسلط في حدود المستطاع. وقد كانت مشاركة المعارضة في الانتخابات ولجوء النظام البائد إلي التزوير السافر لإسقاط الأغلبية الساحقة من مرشحي المعارضة سببًا مباشرًا في قيام ثورة يناير بعد أن سقطت ورقة التوت الأخيرة عن نظام مبارك. ولو كانت المعارضة قد استجابت لدعوة د. البرادعي بالمقاطعة، واختارت الحل الأسهل وركنت إلي الراحة، فربما لم يكن ليقدر للثورة أن تقوم حتي الآن. تغير المناخ السياسي كلية، وتغير قانون الانتخابات وتشكلت لجنة مستقلة للانتخابات، ولم تظهر أي آثار للتزوير السافر في الانتخابات والاستفتاءات التي جرت بعد الثورة (إلا ما خفي)، وعقدت جلسات حوار بين السلطة ومختلف الأحزاب لمناقشة أي ضمانات مطلوبة، مع ذلك لا يزال البعض مصرًا علي موقفه الذي كان عليه قبل الثورة!