قد يفقد البعض الوعي السياسي.. قد تغيب عن ذهنه مشاهد التاريخ أو يفقد القدرة علي استيعاب صفحاته.. قد يخيل له خياله المريض أن هناك من يملك القدرة علي التدخل في شئون مصر أو توجيه سياستها أو التأثير في قراراتها، يحتاج إلي أن نذكره أن مصر ذات طبيعة مميزة مصر قمة.. قيمة تستعصي علي الحواة هضمت حضارات واستوعبت غزاة أضفت عليهم بصمتها الخاصة وخلطتهم جميعا، فصاروا مصريين واصبحوا بذلك سعداء، مصر دولة سبقت أمما كثيرة في دخول التاريخ، وفضلها بارز علي الحضارات الانسانية، من أدرك طبيعتها واستوعب ما بداخلها وهضم أبعادها فهو ابنها البار، ابن عصره وبيئته.. ومثال بارز علي ذلك جمال عبدالناصر لذلك فلا عجب ان يرفع المصريون صورته كلما استحكمت أزمة أو أظلمت الدنيا وفقدت الطريق يكون هو المصباح الذي يضيء.. هزمت وطنيته كل الاعتبارات فعاش ومات رمزا ونموذجا، أما من ليس له قوة التحمل والصبر علي شعب ساقه الله لحكمه فطغي وتكبر وتجبر والمثال واضح أمامنا في شقيقتنا الغالية سوريا فحتما سيسقط في مستنقع سياسي بلا قرار، فالتاريخ لا يغفر لمن يتلاعبون بمصائر الشعوب ويصرفون كل همهم للتحكم في كل مفاصل الدولة، فالقوة والعنف لا يشفعان لنظام بغي وتجبر.. التاريخ يقول ذلك.. والتاريخ لا يكذب.. خاصة اذا كان صاحب القرار بعيدا عن المشهد، ومن له صدارة المشهد لا يملك إصدار القرار.. معادلة صعبة بقاؤها يعصر شعبا يقاسي لكنه رغم كل الاهوال والصعاب لا يقبل من يحاول ان يغير هويته.. والنتيجة الحتمية في كل الاحوال انتصار الشعب، كما حدث في مهزلة التوريث حيلة لم يقع المصريون في شباكها فهي مرفوضة وممجوجة، والتلويح بالقوة التي لا تبقي ولا تذر، اصبح هراء وعواء في صحراء واسعة لا يسمع فيها الا صدي صوته واصبحت هوهوة الكلب تساوي مواء القطة ولا يختلفان عن زئير الاسد.. لا يؤثر ولا يخيف وفي النهاية يعلو صوت النشيد: حبيبتي يا مصر. جحا ملك النكتة في الثقافة العربية.. في جلسة ود مع خليفة عباسي سأله: كان الخلفاء قبلي حريصين علي ألقاب لأنفسهم مثل الحاكم.. بأمر الله، المستنصر.. بالله، فماذا تختار اسما لي فنظر إليه جحا بغيظ قائلا: أعوذ.. بالله! اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل.. أعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال وشماتة الأعداء وعُضال الداء، وأعوذ بك أن أقول زورا أو أغشي فجورا أو أكون بك مغرورا.. يارب.