د. أحمد درة أحاول تجنب الخروج من محيط ضيق رسمته لنفسي حتي لا أغوص في وحل الزحام، وتسقط من روحي بقايا الانسان المعرضة للتلف والزوال، ولكني أجبرت علي مغادرة هذا السياج الآمن فاتخذت طريق محور المعادي الذي بدا وأنا أصعد إليه من مطلع المريوطية أنه خال تماما فوثب قلبي فرحا، حتي اذا قطعت عشرات من الأمتار قليلة فجأني توقف السيارات المحشورة حشرا ولم يعد أمامي مفر ولا مخرج من أن أقف حزينا أتألم ومن حولي الوجوه الحزينة واجمة مستسلمة لقدرها، تتحرك السيارات ببطء شديد وكأن هناك علي البعد حادثا مروعا سد علينا الطريق، أخذت أفتش عن أحد يغيثنا من رجال المرور، لقد اختفي المرور وليس هناك الحلم الذي نسميه الدورية الراكبة، فتحت زجاج سيارتي وسألت قائد السيارة المجاورة، ماذا هناك.. فرد : لا شيء، كل يوم علي هذا الحال.. رحت أتداخل في نفسي وألومها، لماذا خرجت، فان المريض الذي ينتظر مجيئي الآن لن يغفر لي ما قد يسببه تأخري عليه من مضاعفات لا يعلمها الا الله، وان هذه الوقفة والسجن قد يطول لعدة ساعات لا أدري متي أنفذ منه، وأصبح حرا طليقا مهيئا لكي أمارس مهنتي الانسانية وبعد ساعة ونصف، يرن هاتفي ليخبرني نائبي بالمستشفي أن المريض رحل الي حيث لا يعود المرتحلون، وأن أعود أدراجي ان شئت وهنا أدركت أن معظم أحاسيس تتلاشي وأنني أقف وسط نيران تأكل روحي قبل جسدي، وظلت الحركة بطيئة حتي أيقظني أذان الظهر، وأنا مازلت أبحث عن مخرج أعود منه الي بيتي.. وكان ذلك بعد ساعتين من الويل والثبور تجتاحني وتؤنب ضميري ولا أعرف من يتحمل هذا الذنب. أنا حيران يا الله أصيح بها من آخر الدنيا * من الوتر الذي يبكي من بحنجرتي * ومن دمعك السيال في روحي * ومن شجني * أبوح بهمي المخزون في قلبي * سنون العمر قد ضاعت * وما عادت لك الأيام صافية * وقد ضلت بينا الخطوات من درب الي درب * فلا ندري متي نلقاك ثانية * وهذا الوجه ينكرنا ويبعدنا ويقذفنا بكل شتائم الصبيان * لماذا الآن.. لماذا الآن يا وطني تفجر حزنك الطاغي علي شفتي * وترميني بعصياني * بأني صرت مغتربا وممقوتا * وليس لديك ما يكفي من الأحزان كي أبكي * أنا العطشان يا أيامنا السوداء * أنا الحيران يا أرضي * فأي بقاع سوف تمنحني ضمير الشاعر الانسان * وأي سماء سوف تمطرني وتغمرني بعطر الفل والريحان * أنا تائه..أنا قد صرت أشلاء من الأفكار والكلمات * تنثرني رياح الغدر والبهتان * أنا حيران يا الله فأنقذني من التيه * وأخرجني من الكابوس الذي فوقي * أنا مشتاق لأولادي * وأحفادي وكل تراث الفكر في وطني..الي النيل الذي يجري ليلثم جرحنا المفتوح * ويشفي قلبنا المقروح * فآه.. آه يا وطني.