أرجو ألا نعلق آمالا كبيرة علي الأموال المهربة إلي الخارج والمملوكة لرموز النظام السابق.. وليس معني ذلك أن نتركهم ينعمون بما حصلوا عليه بطرق غير مشروعة.. ولكنني أشير فقط إلي أن الأمر سوف يستغرق سنوات طويلة.. فالمسألة أعقد مما يتصور البعض.. وكما أوضح المستشار كامل جرجس رئيس مكتب التعاون الدولي بالنيابة العامة.. فهناك دول كثيرة أشارت بعض التقارير والمعلومات إلي أن بها أموالا مصرية مهربة ولكنها تضع العراقيل والعقبات القانونية والسياسية أمام عمليات استرداد هذه الأموال سواء من خلال الطرق القضائية أو من خلال المفاوضات الدبلوماسية. والكل يعلم أنه لكي تسترد أموال مهربة للخارج لابد أن يصدر حكم نهائي ضد المتهم بتهريب هذه الأموال، فضلا عن ضرورة وجودة اتفاقيات تعاون قضائي بين مصر والدول المراد استرداد الأموال منها، وكل هذه الإجراءات تحتاج لوقت طويل قد يمتد لعشرات السنوات.. مع وجود محامين يملكون خبرات خاصة في تعطيل صدور هذه الأحكام أو الالتفاف عليها.. والطعن فيها أمام جهات متعددة داخلية وخارجية. ولعل ما حدث مع رجل الأعمال المصري، حسين سالم وما انتهت إليه المحاكم الأسبانية خير دليل علي ما أود التنبيه له. لقد انتشرت بعد ثورة يناير حالة من التفاؤل المفرط بسرعة عودة هذه الأموال لدرجة أن بعض المواطنين أخذوا يحسبون نصيبهم منها.. وكأن هذه الأموال سوف توزع علي أفراد الشعب.. وسوف يحصل كل منهم علي نصيبه المستحق فيها! والمشكلة ليست في الأموال فقط.. ولكن في العقول التي هربت من مصر إلي الخارج خوفا من الملاحقة القضائية التي هددت كل من كان يمارس عملا عاما قبل الثورة.. فما بالك برجال الأعمال والمستثمرين؟ والمعني.. أن مصر في هذه المرحلة تحتاج لأموال كثيرة.. سواء كانت أموالا مهربة يمكن استردادها أو مساعدات خارجية.. أو منحا وقروضا. ولكن الأهم من الأموال.. هي العقول المصرية التي نجحت من قبل في إنجاز قصص نجاح يعتد بها.. سواء علي المستوي المحلي أو الخارجي.. وقد قيل في وصف بعض من هؤلاء.. إن (فلانا) لو أمسك التراب بيده فسوف يحوله إلي ذهب.. فالعبرة دائما بالبشر لا الحجز وخاصة أصحاب الملكات الخاصة في حسن استثمار ما يتوافر لديهم من إمكانات. ومن ثم وإذا كنا جادين في إخراج مصر من أزمتها الاقتصادية الحالية.. فلا مفر من تفعيل مبادرة التصالح التي بدأتها النيابة العامة مع المستثمرين المصريين في الداخل والخارج.. مادامت أيديهم لم تتلوث بدماء الشهداء. نعم قد يكون بعضهم أخطاء.. وخالف القانون واستغل منصبه وتربح منه.. أو نفوذه وحصل علي ما ليس من حقه.. كل ذلك وارد.. فنحن بشر والنفس أمّارة بالسوء.. ولكن إذا بادر هذا المخطئ برد ما حصل عليه من الغرامات المقررة قانونا.. فلماذا نرفض ذلك.. والطريف في الموضوع أن القوانين المصرية تتيح ذلك.. وهناك سوابق عديدة في هذا المجال.. كما أن الظروف الراهنة لا تسمح برفاهية الرفض خاصة أن بعضهم قضي في الحبس والسجن شهورا وسنوات عديدة. وإذا كان الله سبحانه وتعالي خالق البشر أجمعين يقبل توبة المخطئ.. إذ تاب وأناب.. فهل يرفض المجتمع توبة التائب.. الذي يطلب التصالح والسماح مع الوعد بالانضباط والاستقامة والمساهمة في إعادة دوران عجلة الاقتصاد المعطلة؟! كاتب المقال : أمين عام المجلس الأعلي للصحافة