في اللحظة نفسها التي قامت فيها ثورة 25 يناير كنت داخل لجنة امتحانات التيرم الأول لدبلوم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، علوم سياسية بجامعة القاهرة، ولحظة نزول الشباب إلي شوارع مصر كنت أكتب في ورقة الإمتحان عن الثورة البولندية 1989 والتي تصنف حتي هذه اللحظة بأنها من أجمل الثورات السلمية العالمية في التحول الديموقراطي، والذي كان فيها المجتمع المدني بجميع قطاعاته من الطلبة والعمال والفلاحين والمثقفين هو رأس الحربة في عملية التحول الديموقراطي. فالتحول حدث من أسفل ومن خلال مشاركة شعبية واسعة النطاق.... التحول الديموقراطي في بولندا كان ورقة العمل التي قدمتها للأستاذة الدكتورة هويدا عدلي وهو إحدي الدراسات المهمة لثورات التحول التي تقوم بتدريسها لطلاب الدراسات العليا، قمت باختيار بولندا كنموذج لدراسته وعرضه وأنا أحلم بتطبيقه في مصر ولم أكن أعلم أن الثورة المصرية ستقوم بهذه السرعة وإن كنت استشعرت قربها في كل المعطيات والأحداث التي مرت بنا من مظاهرات واحتجاجات لم تشهد لها مصر مثيلا في عامي 2009 و2010 ولأن مسارات التحول الديموقراطي في بولندا تتشابه مع مسارت التحول في مصر كنت طوال العامين الماضيين أقارن بين الأحداث التي حاقت بنا وبين ماحدث في بولندا، كانت الثورة البولندية هي التجربة الرائدة والمتميزة والمثيرة في شرق أوروبا لأن النضال لهذا التحول استمر طوال أربعة عقود بصورة سلمية من خلال الممارسات الديموقراطية عبر المؤسسات القائمة إضافة الي الدور الذي لعبه المجتمع المدني، وقد استمدت الحالة البولندية خصوصيتها من عدة اعتبارات تفاعلت مع بعضها بداية من الموقع الجغرافي والأهمية الاستراتيجية لبولندا في قلب أوروبا. أبعاد وأسباب الأزمة البولندية تشابهت مع الأزمة المصرية، فمنذ منتصف الخمسينيات وحتي أوائل السبعينيات عانت بولندا من حالة الركود الاقتصادي الذي أدي الي تدهور الأحوال المعيشية.وازدياد التفاوت الاجتماعي.وفساد النخبة الحاكمة والترف المبالغ الذي كانت تعيش فيه وهو ما أدي في النهاية الي حالة شديدة من السخط العام، كما عانت بولندا من أزمات سياسية بسبب عجز الحزب الشيوعي عن الهيمنة علي السلطة والمجتمع البولندي ذي الطبيعة الخاصة المتدينة، وتعددت القوي الفاعلة والمؤثرة والواعية والتي ضمت الي جانب العمال والطلبة المثقفين والكنيسة الكاثوليكية الذين ظلوا يتمتعون بدرجة من الاستقلال النسبي عن الدولة ومطالبين بتحقيق مزيد من الحرية والاستقلال، وكانت نقابة تضامن "أول نقابة عمالية مستقلة تم الاعتراف بها في الكتلة الشرقية عام 1980 ونشأت تتويجاً للحركات الإضرابية" هي العامل الثالث المؤثر في حدوث الإنفجار وقيام الثورة وتحولت من حركة عمالية الي حركة وطنية تضم جميع فئات الشعب المختلفة تعارض الشيوعية.وتنتقد النظام القائم.وتطرح برنامجاً قومياً يعزز القيم البولندية والعدالة الاجتماعية والحريات إلي جانب الأهداف الاقتصادية والقانونية، وهي الحركة التي تتشابه مع حركة كفاية في مصر ودورها منذ أحداث المحلة 2008.ولابد هنا أن نشير إلي تنازل السلطة السياسية وقبولها بنقابة تضامن بعد أن تدهورت الأحوال بسبب الاضرابات التي عمت البلاد بما يهدد بحدوث حرب أهلية،واستمرت الأحداث في الشد والجذب حتي تمت أول انتخابات برلمانية في بولندا منذ أربعين عاما، فازت فيها المعارضة ممثلة في نقابة تضامن وبعض الأحزاب بأغلبية المقاعد لمجلسي النواب والشيوخ.. ولم يمر عام حتي أصبح زعيم تضامن رئيسا للبلاد. وهوما يعد نجاحا لتضامن بالتحالف مع قوي المجتمع المدني بمن فيهم الفلاحون في المناطق الريفية التي استغلت سخطهم علي خفض أسعار بيع المحاصيل الزراعية وأرسلت لهم أفضل مرشحيها، وأشير في النهاية إلي ماقالته باتريشيا ساسنال مدير مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمعهد البولندي للشئون الدولية أن تجربة التحول الديمقراطي في بولندا في إدارة المرحلة الانتقالية طرحت عدة دروسٍ يمكن لثورات الربيع العربي الاستفادة منها علي صعيد حل الخلافات بين القوي السياسية المتنازعة، وإجراء مصالحات وطنية وحوار وطني حول الدستور دون اللجوء لمنطق المباريات الصفرية بعد الثورات.