مصطفى عبدالله أودع العام 2012 بتلقي خبر رحيل واحد من أنقي وأتقي وأعلم من عرفت في المجالات التي تخصص فيها وهي كثيرة ومتشعبة، فقد انتقل إلي جوار ربه، قبل أيام، الأديب والمترجم وأستاذ الفلسفة الدكتور عبدالغفار مكاوي، الذي طبع بصمة واضحة في وجدان معظم مثقفي مصر والعالم العربي، وعلي يديه تتلمذ أساتذة الفلسفة في الجامعات الكبري في: القاهرة وصنعاء والكويت والخرطوم. وقد كان الراحل الكريم مؤمناً بحتمية التطور، وبضرورة تواصل الأجيال، ومن هنا فقد كان؛ رغم عزلته التي أحاط بها نفسه في السنوات الأخيرة بسبب تقدم العمر؛ قريباً من نبض تطور الإبداع العربي، ولعل هذا ما دعاه لأن ينشئ في حياته جائزة أوقف مبلغاً من المال للانفاق عليها حتي يضمن استمرارها سنوياً من خلال اتحاد كُتّاب مصر، وهو ما لم يفعله غيره سوي أدباء قلائل لعل أبرزهم الروائي الكبير بهاء طاهر.. عرفت الدكتور عبدالغفار مكاوي منذ أكثر من ثلاثين عاماً عندما طالعت كتابه "ثورة الشعر الحديث من بودلير إلي العصر الحاضر" الذي تعددت طبعاته وكانت آخرها هذه الطبعة التي أصدرتها هيئة قصور الثقافة منذ نحو ثلاثة أعوام مواكبة لمؤتمر أدباء مصر الذي عقد في الإسكندرية برئاسة الدكتور مكاوي نفسه وأمانة الشاعر فتحي عبدالسميع، وكانت جلساته فرصة أخيرة يلتقي فيها هذا المبدع والمفكر الكبير بشباب مصر المثقف من أسوان إلي الإسكندرية، علي امتداد أيام المؤتمر؛ يستمع إلي قصصهم وقصائدهم؛ ويتعرف علي تجاربهم في نفس الوقت الذي يجيب فيه عن تساؤلاتهم المتعلقة بغوامض الفلسفة وبمدرسته في الترجمة، التي انتجت أعمالاً مهمة مثل: "نداء الحقيقة" لمارتن هايدجر، و"مقدمة لكل ميتافيزيقا مقبلة تريد أن تصبح علماً" لكانط، ومقدمة كتاب "نقد العقل الخالص" لكانط أيضاً، فضلاً عن الترجمات الشعرية والمسرحية عن الأدب الألماني، وبوجه خاص: بوشنر وبريخت وجوته وإليوت.. ولن أنسي هذه الأسئلة الصريحة التي توجه بها البعض إلي الدكتور عبدالغفار مكاوي حول إبداعه الأدبي، وهل يري أن هذا الإنتاج نال ما استحقه من اهتمام علي مستوي التلقي، والتقييم النقدي، والتقدير الأدبي؟ فقد كان بعض الحضور متأثراً بسبب لجوئه إلي نشر مؤلفاته الأدبية في أخريات عمره عن دور نشر خاصة بدلاً من أن تحتفي بها دور النشر الرسمية فتصدر طبعات من أعماله الكاملة. ومن المعروف أن هذا الرجل ترك لنا ثروة من النصوص المؤلفة إلي جانب ما ترجم من أعمال خالدة من عيون الأدب والفكر عن الألمانية. وأتصور أن القيمة الحقيقية لإبداع عبدالغفار مكاوي ستتضح لقارئ قادم يمتلك الرغبة في سبر أغوار هذه النصوص التي تعكس عمق فكر هذا الرجل وأصالة موهبته ومنها علي سبيل المثال قصصه التي نشرها في مجموعاته: ابن السلطان، الست الطاهرة، الحصان الأخضر يموت علي شوارع الإسفلت، القبلة الأخيرة، والصرخة. ومسرحياته القصيرة: دموع أديب، من قتل الطفل، زائر من الجنة، القيصر الأصفر، هو الذي طغي، بشر الحافي يخرج من الجحيم، ومحاكمة جلجاميش. ويجب أن نعترف بأن الساحة الأكاديمية العربية كان لها الفضل في اتساع شهرة مؤلفات أخري للدكتور عبدالغفار مكاوي مثل: ثورة الشعر الحديث من بودلير إلي العصر الحاضر، المسرح التعبيري، شعر وفكر، عصور الأدب الألماني، مدرسة الحكمة، الحكماء السبعة، النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، جذور الاستبداد، البلد البعيد، نداء الحقيقة، لم الفلسفة؟، تجارب فلسفية، وسافو.. شاعرة الحب والجمال عند اليونان.