ما يحدث لدينا، من هجمات وشتائم من الإعلاميين والكتاب والفنانين، من ابواق السلطة ومريديها، ليس غريبا. وهو يحدث دائما، في كل زمان ومكان.. لأن التناقض بينهما حتمي، ومن طبيعتهما الجوهرية. فالسلطة، أي سلطة، تعتبر نفسها صاحبة الأمر والنهي، وهي المسئولة عن كل شيء في الدولة، والتي تعرف مالا يعرف غيرها. ودائما ما تتآمر عليها المعارضة، أي معارضة، وهي تتخذ من الاجراءات الدعائية والأمنية ما تراه مناسبا لها، لحماية الدولة. بينما يزعجها الإعلاميون، مثلا، بالتعبير، وإتاحة التعبير، عن أفكار وآراء تخالف ما تراه، وتكشف عيوب سياساتها، والنقائص في سلوكها أو تصرفات متنقدين فيها.. فضلا عن الجرائم التي ترتكب في عهدها. هذا الدور تطبيقيا جعل صحفيا أمريكيا، يكشف تنصت جهاز مؤسسة رئاسة الرئيس نيكسون علي معارضيه، مما اعتبر جريمة أخلاقية وقانونية، عرفت بفضيحة ووترجيت، انتهت باجبار رئيس الجمهورية في أمريكا الديمقراطية علي الاستقالة. ويتخذ الكره للصحفيين والاعلاميين عموما، صورة العداء المحكم في البلاد التي تدعي السلطة فيها الديمقراطية بينما هذه الديمقراطية المزيفة، ستار لديكتاتورية فعلية.. فان السلطة.. تلجأ، في الحد الادني، إلي شراء بعض الصحفيين والاعلاميين، وتسليطهم علي زملائهم، للرد عليهم، وتشويه آرائهم، وتبييض وجه النظام.. ثم تصعد بالمحاصرة، حتي تصل إلي الاعتداء المعنوي والجسدي، وهذا ما كان يتبع خلال عهد النظام الساقط.. لأن الصحافة و الاعلام لعبا دورا رئيسيا في فضح سياساته وجرائم عمده.. وكانت المشجع والشاحن لقوة المعارضة، وشباب الثورة. والمعروف، تاريخيا و عالميا، أن السلطة التي تؤسسها جماعات عقائدية، سياسية أو فكرية أو مذهبية، تكون اكثر حساسية نحو الاعلاميين الذين من وجهة نظرها، يدسون أنوفهم في كل شيء، وللمفكرين والمبدعين، لأنهم دائما لايرضون عن الواقع القائم، ويريدون التغيير، ويتطلعون إلي الافضل والأكمل.. ويستشرفون المستقبل ومعروف عندنا، مثلا أن المثقفين خاضوا معارك كبري، وضحوا تضحيات جسيمة، من اجل اضفاء قدر من الديمقراطية علي نظام حكم جمال عبدالناصر، برغم تثمينهم العالي لانجازاته الوطنية والاجتماعية التي لبت الكثير من أمانيهم، وكذلك في عهد السادات، برغم وقوفهم خلفه في قرار حرب اكتوبر المجيدة، وانتقادهم لما انتهت اليه الحرب من نتائج لا تتفق مع ما حققه الجيش والشعب تمثلت في الثغرة والاتفاقيات المصرية الاسرائيلية غير المتوازنة، والخضوع للهيمنة الامريكية.. ولكلنا يذكر الدور المجيد الذي لعبه الفنانون بالافلام والمسلسلات والشعراء والادباء، في فضح عورات النظام الساقط، وانحيازه لرجال الاعمال من فساد وإفساد، ونهب لثروات الوطن، وافقار للشعب وانهيار لبنية البلد الأساسية و محاولات النظام الدائم لاستمالة هؤلاء المتمردين أو التضييق عليهم. ويشتد الصراع بين السلطويين والمثقفين، عندما تكون السلطة وانصارها، ذات طابع ديني، هنا يعتبر السلطويون انهم يتحدثون بالشريعة ويعيدون، مهما حاولوا التخفيف من لهجتهم، أن يعيدوا الزمن إلي عهد كان الحاكم فيه يعتبر نفسه ظل الله علي الارض. وهو الاكثر عداء علي الاطلاق للإعلاميين والمثقفين والفنانين.. وخصوصا انه لاينحصر في جهاز الدولة السلطة الرسمية وإنما تشارك معها منظماتها وأدواتها الأخري المرتبطة بها عقائديا.. وهذا ما يحدث في مصر الآن، حيث يشن جهاز السلطة أبشع الهجمات عليه الصحفيين ومقدمي البرامج.. ويشن شيوخ الفضائيات الدينية اقزع الشتائم ضد الفنانين والفنانات.. والأكثر بشاعة أن يمتد الهجوم الوحشي باسم الدين علي مؤسسات تابعة للدولة ذاتها، والتطاول علي قضاة محكمة القضاء العالي والمحكمة الدستورية العليا، ومدينة الانتاج الاعلامي. وطبيعي ان يشجع رموز حاكمة ذلك للاتفاق المذهبي بينهما، مهددين كونهم يتحملون المسئولية القانونية والاخلاقية عن حماية وتبجيل هذه المؤسسات، مما يجعل هذه الاجنحة غير الرسمية تتمادي في التهديد والعدوان، كما تفعل جحافل حازم أبواسماعيل في حصار مدينة الانتاج الاعلامي، الذي يجرمه القانون.. بلا أي أكتراث من اجهزة الدولة الرسمية. أما اعتداؤهم علي حزب الوفد وجريدة الوفد وصحفييها فهو جريمة كاملة الاركان، لن يغفرها لهم، ولا لمن يغضون البصر عن جرائمهم. وستبقي حرية الصحفيين والاعلاميين والمثقفين والفنانين شامخة وستنتصر، كما انتصرت علي مدي التاريخ.