أحمد عباس المشهد ليل خارجي.. الظلمة دامسة.. حالكة السواد..لا تمييز هنا الابالصوت فقط.. المسافات يعرفها هنا الأذكياء فقط بقياس مدي ترددها وتكرارها. في مساحة خانقة في ذلك الشارع المؤدي من والي هناك.. في سرة المشهد.. الوقوف صامت الا من دبدبات قوية مدوية.. تضعف بين الحين والاخر.. يصيب الجميع وهن فجأة.. والسؤال يتردد داخلهم.. ماذا بعد.. أي نهاية أنتظر؟! يسأل أحدهما جاره من فرط الحيرة: وآخرتها؟!.. والآخر يجيب: ربك يعدلها.. الأول: هانروح امتي؟.. الثاني: فور التسليم.. تسليم أو استسلام تعني؟.. يسأل الأول.. الثاني: .......... . الدبدبات تعاود مرة أخري بقوة وضجيج منقطع، تحول دون سماع الاجابة.. يرفع الاثنان أقدامهما، يعيدونها مرة أخري الي مكانها بقوة. الفتور شريك أساسي في هذه الوقفة يصيبهما من آن لآخر.. هدأ الدبيب وساد الصمت مرة أخري.. العتمة واحدة ولا أمل في بصيص نور في تلك النقطة من المشهد.. عاودا الحديث الأول: من أين جئت.. الثاني: من هناك، وأنت؟ من هنالك..كلاهما اتفق علي الاتيان فقط، والهدف في نفس كل منهما سام مختلف عن الاخر. الدبيب يرجع بعد استراحة قصيرة لمحارب لا يري خصمه.. تعاود الأقدام حركتها المنظمة المرسلة.. استشعر أحدهما هدأتها.. نادي جاره.. لا إجابة.. حاول تلمسه.. لا شيء.. الكتف الملتصق غدا فراغا.. رفع الصوت مناديا لعله تاه في زحام مضن: يا هذا.. لا مجيب.. العدم أصاب المكان الذي كان يتحدث معه منذ ثوان.. لعله استنفد طاقته وقرر أنيسه المغادرة، هكذا حدث نفسه. أعياه الإرهاق.. جثا علي ركبتيه ليستريح بين أقدام وهنت هي الأخري.. هنا فقط عادت نبرة وليفه مستكينة.. سقط أنيس النضال.. حمله مسرعا، عافر وسط الجموع لعله مصاب بضيق تنفس يتحسن بعد خروجه من الزحام. سهم القدر كان أسرع من خطواته الثقيله بفعل التدافع.. خرج أخيرا الي النور في نقطة قصية عن الدبيب والطنين والعتمة.. فاضت روح خصمه الي بارئها، هكذا بدي من هيئته أنه من المعسكر المضاد!! تساءل في قعود المصلين: أي تسليم وأي استسلام هذا.. مؤكد كان يقصد استسلام الروح الي باعثها. صلاة الجامع الأزرق صلاة الجمعة في مسجد السلطان أحمد أو الجامع الأزرق كما يطلق عليه لنقوشه الغالب عليها اللون الأزرق بدرجاته، مختلفة عن أي صلاة جمعة أخري ربما في بلاد عده، فالصلاه هنا تعكس رؤية الدولة العليا لتنشيط السياحة، فبغض النظر عن موقع المسجد السياحي من الأصل، والمواجه لمتحف كنيسة آياصوفيا التي تجمع عمارتها بين أروع الفنون البيزنطية والزخرفة العثمانية الاسلامية، اعتلي الخطيب منبره ليتلو خطبته القوية في ثلاث لغات صحيحة مختلفة هي العربية والانجليزية ثم لغة الدولة التركية، الخطيب مبهر والخطبة عصماء تمس المشاعر، وتفرض تساؤلا آخر أين دور الأزهر من تخريج خطباء بهذه الفصاحة والعلم والفن والمهنية.