رغم رحيله عنا مايزال صوت محمد حمام يحرضنا ويبث فينا العزم والاصرار.. (يابيوت السويس.. يابيوت مدينتي.. نستشهد تحتك وتعيشي أنت.. يابيوت السويس) . عقب نكسة 67 تعرضت مدن القناة الثلاث السويس والاسماعيلية وبور سعيد لحالة تدمير شديدة بواسطة طائرات ومدفعية العدو الاسرائيلي.. كان التدمير مخيفا طال أكثر من 85٪ من المنازل والمرافق العامة.. كان الهدف واضحا هو القضاء علي الروح المعنوية للمصريين . كان الجرح مؤلما ورغم الهزيمة كنا نلملم جراحنا لنستعيد قوانا وننظم صفوفنا من جديد وبدأت قواتنا المسلحة حرب الاستنزاف التي أرهقت قوات العدو وكبدته خسائر كبيرة وأظهرت معدن الجندي المصري وكانت المقدمة لنصر أكتوبر المجيد الذي نحتفل به في هذه الأيام . كانت ملحمة السويس يوم 24 أكتوبر 1973 هي أكبر دليل علي قوة وصمود شعب مصر الأصيل.. وأكملت ملحمة النصر المبين يوم 6 أكتوبر قبل نحو 18 يوما فقط علي أرض سيناء الحبيبة.. حاول العدو اقتحام السويس واحتلالها في تمثيلية مكشوفة لرفع الروح المعنوية لقواته التي تلقت أول وأكبر هزيمة في تاريخها علي يد الجنود المصريين.. حينما نقرأ وقائع هذا اليوم والأيام التي تلته يزداد فخرنا بالمدينة الباسلة وأبنائها ففي معركة السويس بطولات حقيقية يعجز القلم عن وصفها.. صور رائعة تعكس بسالة وإقدام الأهالي علي المقاومة مهما كان الأمر.. معركة حي الأربعين والجناين وطريق السماد.. معارك الشوارع.. بطولات الشهداء.. حاول الاسرائيليون اقتحام المدينة ثلاث مرات ولم يتمكنوا ودمر لهم أبطال المقاومة 32 دبابة وكبدوهم مابين 70 و80 قتيلا وجريحا.. حاولوا القضاء علي الروح المعنوية للأهالي وأذاعوا عن طريق مكبرات الصوت المحمولة علي العربات المدرعة أن المحافظ سلمهم المدينة.. فلم ينجحوا رغم ضربهم المدينة بكل أنواع الأسلحة الثقيلة علي مدي أسبوع.. وعلي الرغم من هذه البطولات والتضحيات لم نشاهد إلا فيلما واحدا عن السويس هو (حكايات الغريب) ورغم استمتاعي شخصيا بهذا الفيلم الا أنني كنت أتمني أن تكتب السينما المصرية تاريخ ملحمة السويس كما رواها شهود العيان وأن يقدم المسرح المصري أيضا معركة السويس لنا وللأجيال القادمة.. فما حدث في السويس يحتاج لعشرات الأفلام والمسرحيات.. لماذا نفرط في تسجيل معارك الشرف والنضال فيما بين عامي 67 و73 حيث سطرنا بحروف من نور أروع البطولات؟!!.. إن حكاية كل شهيد علي حدة هي مادة لفيلم عظيم..حالة اندهاشي تتصاعد.. ألا يوجد من أبناء المدينة الباسلة من يمكنه تقديم فيلم عن السويس.. أين رجال الأعمال السوايسة؟!.. أين المبدعون؟!.. لن يغفر لنا التاريخ هذا النسيان وهذا الإهمال لأحداث عظيمة يصعب أن تتكرر.. يا شهداء السويس.. تحية لكم في هذا اليوم المجيد.. لن ننساكم وإن تقاعست الأقلام عن تسجيل ذكراكم !