جمال الغىطانى منذ مساء الخميس الماضي اصطف بين طابور الأسماء الخالدة في مسار هذا الوطن اسم جديد انضم إلي قضاة مصر العظام من أبعد أزمنة التاريخ المكتوب إلي اللحظة الراهنة، أصبح صنوا للقاضي العز بن عبدالسلام الذي تحدي السلطان المملوكي الجائر القوي في مواجهته وعزله، لسعد زغلول الذي خرج من داره علي رأس ثلاثة عشر من رجال مصر قاصدين المعتمد البريطاني لتقديم عريضة بالنيابة عن الأمة يطلبون البحث في شأن الاستقلال بعد الحرب العالمية الثانية، اعتقلهم المندوب السامي البريطاني فاشتعلت الروح الكامنة في هذا الشعب الفريد، المحير، واندلعت أعظم ثورة في تاريخنا المعاصر والتي مازلنا نعيش بلفح لظاها وجذوتها، لعبدالرحمن فهمي قاضي مصر العظيم، لعبدالرزاق السنهوري القانوني العبقري ومأساته الوفدية وموقفه الأبي من العلامات التي لا تمحي، مع هؤلاء يدخل عبدالمجيد محمود إلي صميم التاريخ منذ أن بدأت الأزمة مع احتلال الإخوان لمصر وبدأ مخططهم لهدم الدولة الحديثة التي تقدمت بمصر منذ عصر محمد علي، ولتفكيك الدولة المصرية العريقة التي اسسها مينا موحد القطرين، الإخوان لا يؤمنون بفكرة الوطن، فماذا يضيرهم إذا انقسمت مصر إلي شظايا، بدا الأمر كأنه قاب قوسين أو أدني خاصة بعد غياب الجيش من الساحة، وانقسام الثوار، وظهور المشبوهين والقتلة بدم بارد، لم يتبق إلا القضاء حصن الأمة الأخير. وكما تم استغلال حادث رفح للاطاحة بالمشير والمجلس الواهن المسئول عن ايصال مصر إلي هذه اللحظة الحالكة. حاول الاخوان استعادة نفس السيناريو باستغلال الحكم في موقعة الجمل للإطاحة بالنائب العام النزيه، الشريف، أفضل من تولي هذا المنصب خلال النصف قرن الأخير. أقول عن معرفة قريبة وعميقة بالرجل الذي عرفته صديقا للمثقفين، عرفته من خلال العم محمود السعدني ومحمد عودة ونجيب محفوظ رحمهم الله وغيرهم الأحياء، ومن خلال زملائه الكبار أهل الاختصاص الذين يؤكدون ما أقوله. وجدها الاخوان فرصة لتدمير هذا الحصن فكانت مسرحية العزل الذي تحول إلي قرار بالتعيين ثم إلي مجرد اقتراحات كما صرح الرجل الذي يذهلني تغير مواقفه أحمد مكي وهو من رموز استقلال القضاء ومعه المستشار الغرياني. وصل بهما الأمر إلي تهديد الرجل وترويعه. منذ أن بدأت المحنة كنت علي اتصال بالرجل الذي تعلقت به أبصار الوطن وكل من ينتمي حقا إليه. بالتحديد منذ مساء الخميس الساعة السابعة مساء، ما جري يطول شرحه ولكن خلال الساعات التي تلت ذلك لم يغير الرجل موقفه، ألا يقبل الاعتداء علي مؤسسة القضاء، ألا ينثني، وفي إحدي مرات اتصالنا أكد لي انه لا يخشي لقاء ربه دفاعا عن استقلال القضاء الحصن الأخير. هنا يجب الإشارة إلي عظمة قضاة مصر ومؤازرتهم له من خلال ناديهم العظيم، خلال تلك الساعات خرج الرجل من محدوديته ليصبح رمزا جليلا بموقفه وشجاعته في مواجهة العدوان والجور المستهدف لمصر ولما كان وسيكون.